كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 8)

ووقع في هذه الروياة أيضًا: ثم مضى به في السماء الدنيا فإذا هو بنهر آخر، عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد، وأنه الكوثر.
وهو مما استشكل من رواية شريك، فإن الكوثر من الجنة، والجنة فوق السماء السابعة، ويحتمل أن يكون تقديره: ثم مضى في سماء الدنيا إلى السابعة فإذا هو بنهر.
ثم إن قوله في الحديث: "استفتح" دلالة على أنه صادف أبواب السماء مغلقة، والحكمة في ذلك -والله أعلم- التنويه بقدره عليه السلام، وتحقيق أن السماوات لم تفتح أبوابها إلا من أجله، ولو وجدها مفتحة لم يتحرر أنها فتحت
__________
مع نهري الجنة، ورآههما في السماء الدنيا دون نهري الجنة، وأراد بالعنصر عنصر انشتارهما السماء الدنيا، وكان الحافظ لم يرتضه لقوله، كذا قال ابن دحية انتهى، وتبعه المصنف فيما يأتي وجمع غيره بأن منبعهما من السدرة، وإذا نزلا إلى الأرض، يسلكان أولًا على الجنة، فيدخلانها، ثم ينزلان إلى الأرض بعد ذلك، ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله قريبًا.
"ووقع في هذه الروياة أيضًا: ثم مضى به في السماء الدنيا، فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد، وأنه" فسره جبريل بقوله: هذا "الكوثر"، ولفظه عقب زبرجد، فضرب يده، فإذا هو مسك، قال: "ما هذا يا جبريل"؟، قال: هذا الكوثر الذي خبا لك ربك، "وهو مما استشكل من رواية شريك، فإن الكوثر في الجنة، والجنة فوق السماء السابعة، ويحتمل الجمع برد رواية شريك إلى هذا، وهو "أن يكون" هناك حذف "تقديره: ثم مضى في سماء الدنيا إلى السابعة، فإذا هو بنهر"، كذا ذكره الحافظ، واستبعده تلميذه القطب الخيضري في الخصائص، بأن بين الأولى والسابعة خمس سماوات، كل منها له صفة غير صفة الأخرى، ولها أبواب وخدام غير الأخرى، فإطلاق المسير إليها بعيد، وذكرها بعد السادسة مما يبعده أيضًا لكن قد يقال من غير استبعاد؛ أن أصل الكوثر في الجنة، وجعل الله تعالى منه فرعًا في السماء الدنيا، عجل لنبيه رؤيته استبشارًا؛ لأنها أول المراتب العلوية بعد السفلية، ويؤيد هذا قول جبريل: خبا لك ربك انتهى.
"ثم إن قوله في الحديث: استفتح، دلالة" صريحة "على أنه صادف أبواب السماء مغلقة"، وأصرح منه قوله في حديث أبي ذر: قال جبريل لخازن السماء: افتح، وكذا ضربه الباب.
"والحكمة"، كما قال ابن المنير "في ذلك، والله أعلم، التنويه بقدره"، أي: إظهاره ورفعه "عليه السلام، وتحقيق أن السماوات لم تفتح أبوابها إلا من أجله، ولو وجدها مفتحة

الصفحة 120