كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 8)
بصيغة الخطاب، بل قال به بصيغة الغيبة؛ لأنه حياة قبل أن يفتح الباب، وقبل أن يصدر من النبي -صلى الله عليه وسلم- خطاب، ويحتمل أن يكون حياه بصيغة الغيبة تعظيمًا له؛ لأن "هاء" الغيبة ربما كانت أهم من كاف الخطاب.
وأما قوله في الحديث: فإذا رجل قاعد عن يمينه أسودة وعن يساره أسودة، إذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى، فقال: مرحبًا بالنبي الصالح والابن الصالح قلت: لجبريل: "من هذا"؟ قال: هذا آدم، وهذه الأسودة التي عن
__________
مجيء جاء، وكونه موصولًا أجود؛ لأنه مخبر عنه، والمخبر عنه إذا كان معرفة أولى من كونه نكرة، نقله في الفتح، وقدمته في شرح الحديث.
"وإنما لم يقل الخازن: مرحبًا بك، بصيغة الخطاب، بل قال به بصيغة الغيبة؛ لأنه حياه قبل أن يفتح الباب، وقبل أن يصدر من النبي -صلى الله عليه وسلم- خطاب"، ولهذا قال الملك لجبريل: ومن معك؟، فخاطبه بصيغة الخطاب؛ لأن جبريل خاطب الملك، فارتفع حكم الغيبة بالتخاطب من الجانب، قاله ابن المنير.
"ويحتمل أن يكون حياه بصيغة الغيبة تعظيمًا له؛ لأن هاء الغيبة ربما كانت أهم من كاف الخطاب"، لما فيها من إجلال المخاطب على مخاطبه؛ لأنه لم ينزل نفسه أهلًا لخطابه، لجلالته عليه، وهذان الاحتمالان ذكرهما ابن المنير.
"وأما قوله في الحديث" ليس يعني به حديث مالك بن صعصة الذي قدمه؛ لأنه ليس فيه ذكر النسم، كما في البخاري ومسلم، وإنما عني به حديث أنس عن أبي ذر عند البخاري أول كتاب الصلاة، ولفظه: "فلما فتح علونا السماء الدنيا، "فإذا"" بالفاء وللأصيلي وابن عساكر بدونها، "رجل قاعد عن يمينه أسودة" أشخاص: جمع سواد، كأزمنة جمع زمان، "وعن يساره أسودة، إذا نظر قبل" بكسر القاف وفتح الموحدة، أي: جهة "يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى، فقال" ذلك الرجل القاعد: "مرحبًا بالنبي الصالح والابن الصالح".
وفي رواية شريك: فقال: مرحبًا وأهلًا يا بني، نعم الابن أنت، والصالح القائم بما يلزمه من حقوق الله، وحقوق العباد فهي صفة جامعة لمعاني الخير، فوصفه بها مكررًا مع النبوة، والبنوة إشارة إلى أنه جمع بين صلاح الأنبياء وصلاح الأبناء، كأنه قال مرحبًا بالنبي التام في نبوته، والابن البار في نبوته وفيه افتخار بأبوته للنبي -صلى الله عليه وسلم-، ولجمع الصلاح لخلال الخير، اقتصر الأنبياء على وصفه بالصالح وتواردوا على ذلك، وكررها كل منهم عند كل صفة، ولم يقولوا بالنبي الصادق، أو الأمين، قال بعضهم: وصلاح الأنبياء غير صلاح الأمم، فصلاح الأنبياء صلاح كامل؛ لأنهم يزول بهم كل فساد، فلهم صلاح خاص لا يتناول عموم الصالحين؛ لأن كثيرًا من