كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 8)

شماله حزن، وهذا -لو صح- لكان المصير إليه أولى من جميع ما تقدم، ولكن سنده ضعيف، قاله الحافظ ابن حجر.
__________
استبشر، وإذا نظر عن شماله حزن، وهذا لو صح لكان المصير إليه أولى من جميع ما تقدم"، لعدم احتياجه لتأويل؛ لأن المستفاد منه رؤية البابين حين مروره على آدم، وهو لا يستلزم أن عنده شيئًا من النسم التي رآها عند آدم، لجواز أنه رآها من الأبواب، "ولكن سنده ضعيف، قاله الحافظ ابن حجر" في كتاب الصلاة ببعض تصرف من المصنف.
وفيه أيضًا قبل ذكر هذا الحديث الضعيف، ويحتمل أن النسم المرئية هي التي لم تدخل الأجساد بعد، وهي مخلوقة قبل الأجساد، ومستقرها عن يمين آدم وشماله، وقد أعلم بما سيصيرون إليه، فلذلك كان يستبشر إذا نظر إلى من على يمينه، ويحزن إذا نظر إلى من على يساره، بخلاف التي في الأجساد، فليست مرادة قطعًا، وبخلاف التي انتقلت من الأجساد إلى مستقرها، فليست مرادة أيضًا فيما يظهر، وبهذا يندفع الإيراد، ويعرف أن قوله: نسم بنيه عام مخصوص، أو أريد به الخصوص انتهى، وهو مبني على أن الأرواح كلها خلقت قبل الأجساد، كما جزم به، ثم إذا أراد الله إحياء شخص أرسل الروح التي سبق في علمه أنها معدة لذلك الجسد.
وقال في الفتح هنا في باب المعراج: وظهر لي الآن احتمال آخر، وهو أن يكون المراد من خرجت من الأجساد حين خروجها إلا أنها مستقرة، ولا يلزم من رؤية آدم لها، وهو في السماء أن تفتح لها أبواب السماء، ول تلجها.
وفي حديث أبي سعيد عند البيهقي ما يؤيده ولفظه: "فإذا أنا بآدم تعرض عليه أرواح ذريته المؤمنين، فيقول: روح طيبة ونفس طيبة، اجعلوها في عليين، ثم تعرض عليها أرواح ذريته الفجار، فيقول: روح خبيثة، اجعلوها في سجين"، ويظهر منه ومن حديث أبي هريرة عدم اللزوم المذكور، وهذا أولى مما جمع به القرطبي في المفهم؛ أن ذلك حالة مخصوصة. ا. هـ، وهو مخصص للأرواح بالخارجة من الأجساد حين الموت لا مطلقًا، فهو أيضًا عام مخصوص، أو أريد به الخصوص، وأجاب بعضهم عن الإشكال بحمل الأسودة التي عن شماله على العصاة من الموحدين، لا على الجاحدين، وعضده ببكاء آدم رحمة لهم، ولا يرحم الكفار.
وتعقبه ابن المنير، بأن المؤمنين، برهم وفاجرهم، مطيعهم وعاصيهم من أهل اليمين، وقد فسر الله أصحاب الشمال بالكفار، فقال: {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ، فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ، وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ} [الواقعة: 41] ، وهذا إنما هو لكافر لا حظ له في الإيمان، ولا حجة في بكاء آدم؛ لأنه ليس فيه استغفار لهم، ولا خلاف أن من مات أبوه كافرًا، وهو مسلم، لا يحمر عليه البكاء عليه، لا سيما الطبيعي والرقة الطبيعية.

الصفحة 127