كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 8)
بالحبيب متحققة بالليل.
وقال ابن المنير: ولعل تخصيص الإسراء بالليل ليزداد الذين آمنوا إيمانًا بالغيب، وليفتتن الذين كفروا زيادة على فتنتهم، إذ الليل أخفى حالًا من النهار، قال: ولعله لو عرج به نهارًا لفات المؤمن فضيلة الإيمان بالغيب، ولم يحصل ما وقع من الفتنة على من شقي وجحد، انتهى.
وفي ذلك حكمة أخرى على طريق أهل الإشارات، ذكرها العلامة ابن مرزوق، وهي: أنه قيل؛ لأن الله تعالى لما محا آية الليل وجعل آية النهار مبصرة انكسر الليل، فجبر بأن أسري فيه بمحمد -صلى الله عليه وسلم- وقيل: افتخر النهار على الليل
__________
المحب بحبيب "لجمعهما فيه"، فليس المراد بأخص هنا مقابل الأعم، ثم المحب لغة من وقعت منه المحبة، والحبيب والمحبوب من وقت عليه فغلب المحب على المحبوب، فقال المحبين، أو إشارة إلى أن المتحابين إذا صدقت محبة كل منهما لصاحبه كان محبًا ومحبوبًا باعتبارين، "والخلوة بالحبيب متحققة" بالليل من تحقق الأمر إذا ثبت، ويجوز فتح القاف اسم مفعول أي: مثبتة، والأول أولى.
"وقال ابن المنير: ولعل تخصيص الإسراء بالليل ليزداد الذين آمنوا إيمانًا بالغيب، وليفتتن الذين كفروا زيادة على فتنتهم، إذ الليل أخفى حالًا من النهار"، فما وقع فيه لا يطلع عليه غالبًان فكان من الغيب، وما وقع نهارًا يطلع عليه غالبًا لمشاهدته، فإذا أخبر -صلى الله عليه وسلم- عما وقع له ليلًا صدقه المؤمنون فزادوا به إيمانًا، وكذبه الكافرون فزادت فتنتهم.
"قال ابن المنير": ولعله لو عرج به نهارًا لفات المؤمن من فضيلة الإيمان بالغيب"، وقد أثنى الله على الذين يؤمنون بالغيب، ففيه فضل عظيم، "ولم يحصل ما وقع من الفتنة على من شقي وجحد"، عطف علة على معلول أي: شقي بجحوده "انتهى".
"وفي ذلك حكمة أخرى" ثالثة "على طريق أهل الإشارات"، وهم المحققون من الصوفية، والإشارات الحقائق التي يأخذونها من نص القرآن وغيره، ولا يقصدون أن ما أخذوه تفسير صريح النص، كما قاله العز بن عبد السلام وغيره.
"ذكرها العلامة" محمد "بن مرزوق، وهي أنه قيل: لأن الله تعلى لما محا آية الليل" طمس نورها بالظلام لنكسن فيه، والإضافة للبيان، "وجعل آية النهار مبصرة"، أي: مبصرًا فيها بالضوء، وفائدة إضافة البيان تحقيق مضمون الجملة السابقة، "انكسر الليل، فجبر بأن أسري فيها بمحمد -صلى الله عليه وسلم-" وذلك أعظم الجبر، "وقيل: افتخر النهار على الليل بالشمس، فقيل له: