كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 8)
فإن قلت: هل وقع الإسراء لغيره -صلى الله عليه وسلم- من الأنبياء؟
أجاب العارف عبد العزيز المهدوي: بأن مرتبة الإسراء بالجسم إلى تلك الحضرات العلية لم تكن لأحد من الأنبياء، إلا لنبينا -صلى الله عليه وسلم- انتهى.
وإنما قال تعالى: {أَسْرَى بِعَبْدِه} إشارة إلى أنه تعالى هو المسافر به، ليعلم أن الإسراء من عبده هبة إلهية، وعناية ربانية، سبقت له عليه السلام، مما لم يخطر بسره، ولا اختلج في ضميره.
__________
بأن القائل ليلة الإسراء أفضل إن أراد أنها ونظائرها كل عام أفضل، فهذا باطل لم يقله أحد من المسلمين، وهو معلوم الفساد بالاضطرار، وإن أراد أنها بخصوصها أفضل؛ لأنه حصل له -صلى الله عليه وسلم- فيها ما لم يحصل له في غيرها، وما لم يحصل لغيره، فهو صحيح إن سلم إن إنعام الله على نبيه ليلة الإسراء أعظم من إنعامه عليه بإنزال القرآن ليلة القدر، وهذا لا يعلم إلا بوحي، ولا يجوز التلم فيه بلا علم، ولا يعرف عن أحد من الصحابة، أنه خص ليلة الإسراء بأمر من الأمور.
"فإن قلت: هل وقع الإسراء لغيره -صلى الله عليه وسلم- من الأنبياء" أم هو من خصائصه عليهم؟، "أجاب العارف عبد العزيز المهدوي: بأن مرتبة الإسراء بالجسم إلى تلك الحضرات:" "بفتح الضاد" جمع حضرة، أي: المراتب "العلية لم تكن لأحد من الأنبياء إلا لنبينا -صلى الله عليه وسلم- انتهى".
وعبارة الأنموذج في الخصائص التي اختص بها على الأنبياء ولم يؤتها نبي قبله لفظها، وبالإسراء وما تضمنه من اختراق السموات السبع والعلو إلى قاب قوسين، ووطئه مكانًا ما وطئه نبي مرسل ولا ملك مقرب، وإحياء الأنبياء له، وصلاته إمامًا بهم وبالملائكة، وإطلاعه على الجنة والنار، عد هذه البيهقي، ورؤيته آيات ربه الكبرى وحفظه حتى ما زاغ البصر وما طغى، ورؤيته للباري تعالى مرتين، وبركوب البراق في أحد القولين، "وإنما قال تعالى: {أَسْرَى} مأخوذ من السرى، وهو سير الليل، تقول: أسرى وسرى إذا سار ليلًا، هذا قول الأكثر.
وقال الحوفي: أسرى: سار ليلًا، وسرى: سار نهارًا، وقيل: أسرى: سار من أول الليل، وسرى: سار من آخره، وهذا أقرب {بِعَبْدِهِ} محمد -صلى الله عليه وسلم- اتفاقًا، والضمير لله تعالى، والإضافة للتشريف، والمراد جعل البراق يسري به كما يقال: أمضيت كذا، أي: جعلته يمضي، وحذف المفعول لدلالة السياق عليه؛ ولأن المراد ذكر المسرى به لا ذكر الدابة، قاله في الفتح "إشارة إلى أنه تعالى هو المسافر به ليعلم أن الإسراء من عبده هبة إلهية، وعناية ربانية سبقت له عليه اسلام مما لم يخطر بسره ولا اختلج في ضميره،" ولعل وجه الإعلام بذلك، إنه إذا كان تعالى هو المسافر به أفاد أنه لم يكن منه فعل في الإسراء بل هو من ونعمة منه عليه،