كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 8)

وأدخل "باء" المصاحبة في قوله تعالى: {بِعَبْدِهِ} ليفيد أنه تعالى صحبه في مسراه، بالألطاف والعناية والإسعاف والرعاية، ويشهد له قوله عليه الصلاة والسلام: "اللهم أنت الصاحب في السفر".
وتأمل قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [يونس: 22] ، وقوله: {أَسْرَى بِعَبْدِه} تلح لك خصوصية مصاحبة الرسول عليه الصلاة والسلام الحق سبحانه وتعالى دون عموم الخلق.
وقرن سبحانه وتعالى "التسبيح" بهذا الإسراء، ولينفي عن قلب صاحب الوهم
__________
"وأدخل باء المصاحبة" على قول المبرد والسهيلي؛ لأن الفعل اللازم، إذا تعدى بالباء غيرت الباء معناه، بخلاف بقية الحروف إذا تعدى بها الفعل، فلا يغير شيء منها معناه، فلذا جعلت للمصحابة "في قوله: {بِعَبْدِه} ليفيد أنه تعالى صحبه في مسراه بالألطاف والعناية والإسعاف والرعاية"، بيان لمعنى صحبة الله لعبده لاستحالة المصاحبة الحقيقية عليه، هكذا جزم المبرد والسهيلي، أن الباء تقتضي مصاحبة الفعل للمفعول في الفعل بخلاف الهمزة، حتى قال السهيلي: إذا قلت قعدت به، فلا بد من مشاركة ولو باليد، وبه جزم ابن دحية وابن المنير.
زاد ابن دحية، "ويشهد له،" أي: لوصفه تعالى بالصحبة "قوله عليه الصلاة والسلام: "اللهم أنت الصاحب في السفر"،" والجمهور أن الباء للتعدية وترادف الهمزة، ولا تقتضي المصاحبة، ورد على المبرد وأتباعه بقوله تعالى: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِم} [البقرة: 17] الآية؛ لأن الله تعالى لا يوصف بالذهاب مع النور، وبقول الشاعر:
ديار التي كانت ونحن على منى ... تحل بنا لولا نجاء الركائب
أي: تحلنا، فالباء هنا للتعدية، ولم يقتضي المشاركة؛ لأن الديار لم تكن حرامًا فتصير حلالًا، ولكن الباء بمعنى الهمزة لا يجمع بينهما، فلا يقال: أذهبت بزيد، "وتأمل قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْر} [يونس: 22] الآية، وقوله: {أَسْرَى بِعَبْدِه} تلح لك خصوصية مصاحبة الرسول عليه الصلاة والسلام الحق سبحانه وتعالى دون عموم الخلق؛" لأنه أتى بباء المصاحبة في "بعبده"، وأتى بـ"في" في العموم إشارة إلى الفرق بين لطفه بعبده وبين غيره من الخق، "وقرن سبحانه وتعالى التسبيح بهذا الإسراء"، فقال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى} وأصلها التنزيه، ويطلق في موضع التعجب، فعلى الأول المعنى تنزه الله عن أن يكون رسوله كذابًا، وعلى الثاني عجب الله عباده بما أنعم به على رسوله، ويحتمل أنه بمعنى الأمر، أي: سبحوا الذي أسرى، قاله في الفتح "ينفي عن قلب صاحب الوهم ومن يحكم عليه خياله من

الصفحة 20