كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 8)
ومن يحكم عليه خياله من أهل التشبيه، والتجسيم ما يتخيله في حق الحق سبحانه من الجهة والحد والمكان، ولذا قال: {لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} يعني ما رأى في تلك الليلة من عجائب الآيات، كأنه سبحانه وتعالى يقول: ما أسريت به إلا لرؤيته الآيات، لا "إلي" فإني لا يحدني مكان، ونسبة الأمكنة إلى نسبة واحدة، فكيف أسري به إلي، وأنا عبده، وأنا معه أينما كان، ولله در القائل لا محا معنى ما ذكر:
سبحان من أسرى إليه بعبده ... ليرى الذي أخفاه من آياته
كحضوره في غيبة وكسكره ... في صحوه والمحو في إثباته
ويرى الذي عنه تكون سره ... في منعه إن شاءه وهباته
__________
أهل التشبيه والتجسيم ما يتخليه في حق الحق سبحانه من الجهة والحد والمكان" حملًا لقوله: {أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ} ، على ظاهره، فيكون معناه صاحبه في سيره من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ولذلك محال في حقه.
وفي البيضوي تصديره بالتسبيح للتنزيه عن العجز عما ذكر بعد.
"ولذا قال: {لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} ، ويعني ما رأى في تلك الليلة من عجائب الآيات، كأنه سبحانه وتعالى، يقول: ما أسريت به إلا لرؤيته الآيات، لا إلي فإني لا يحدني مكان؛" لأنه الخالق له وموجده فكيف يحده "ونسبة الأمكنة إلى نسبة واحدة، فكيف أسري
به" "بضم الهمزة مضارع من أسرى"، أي: كيف أنقله من المكان الذي هو به لأحضره "إلي، وأنا عنده وأنا معه أينما كان،" أي: في أي مكان حل به، "ولله در القائل: لا محا معنى ما ذكر:"
"سبحان من أسرى إليه بعبده ... ليرى الذي أخفاه من آياته"
أي: ستره عن عامة خلقه، ويرى مبني للفاعل بفتح أوله أو بضمه وحذف المفعول، أي: ليريه، ومثل لذلك على طريق أهل الإشارات بقوله: "كحضوره في غيبة" يعنون بها غيبة القلب عن علم ما يجري من أحكام الخلق لشغل الحس بما ورد عليه من الحق حتى إنه قد يغيب عن إحساسه بنفسه فضلًا عن غيره، والغيبة بإزاء الحضور، والغيب بإزاء الشهادة، فيقال: الغيب عن عالم الشهادة حضور في عالم الغيب، والحضور في عالم القدس غيبة عن عالم الحس، "وكسكره"، وهو غيبة بوارد قوي "في صحوه"، وهو الرجوع إلى الإحساس بعد الغيبة بوارد قوي، وذلك أن العبد إذا كوشف بنعت الجمال سكر وطرب وهام قلبه، فإذا عاد من سكره سمى صاحيًا، "والمحو" رفع أوصاف العادة "في إثباته" وهو إقامة أحكام العادة مقابل للمحو.
"ويرى الذي عنه تكون سره،" السر يعني به عن حصة كل موجود من الحق بالتوجه