كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 8)
ويريه ما أبدى له من جوده ... بوجوده والفقد من هيآته
سبحانه من سيد ومهيمن ... في ذاته وسماته وصفاته
وأكد الله تعالى بقوله: {لَيْلًا} مع أن الإسراء لا يكون في اللسان العربي إلا ليلًا، لا نهارًا، "ليدفع الإشكال حتى لا يتخيل أنه أسرى بروحه فقط، ويزيل من خاطر من يعتقد من الناس أن الإسراء ربما يكون نهارًا، فإن القرآن وإن كان نزوله بلغة العرب، فإنه خاطب به الناس أجمعين، أصحاب اللسان العربي وغيرهم.
__________
الإيجادي المنبه عليه بقوله تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون} [النحل: 40] الآية، "في منعه إن شاءه"، أي: المنع "وهباته": جمع هبة، ذكره كله في لطائف الأعلام، "ويريه" من الإراءة "ما أبدى": أظهر "له من جوده" تعالى عليه -صلى الله عليه وسلم- "بوجوده والفقد من هيئاته".
"سبحانه من سيد" من أسمائه تعالى، كما في حديث "ومهيمن"، كما في التنزيل، المهيمن، أي: الشاهد الحافظ، أو المؤمن، أو الرقيب، أو القائم على خلقه، "في ذاته وسمائه" "بتثليث السين" لغة
في الأسماء، وهو ما دل على الذات باعتبار صفة "وصفاته": جمع صفة، وهي المعنى القائم بالذات، "وأكد الله تعالى بقوله ليلًا مع أن الإسراء لا يكون في اللسان العربي إلا ليلًا لا نهارًا" وكذا سرى عند الأكثر كما مر.
قال الحافظ: "ولم تختلف القراء في {أَسْرَىْ} بخلاف قوله تعالى في قصة لوط {فَأَسْر} [هود: 81] ، فقرئت بالوصل والقطع، ففيه تعقب على من قال سرى وأسرى بمعنى واحد.
قال السهيلي: السرى من سريت إذا سرت ليلًا، يعني فهو لازم، والإسراء يتعدى في المعنى، لكن حذف مفعوله حتى ظن أنهما بمعنى واحد، وإنما معنى {أَسْرَى بِعَبْدِهِ} جعل البراق يسري به، كما تقول: أمضيت كذا، أي: جعلته يمضي، لكن حذف المفعول لقوة الدلالة عليه والاستغناء عن ذكره، إذ المقصود بالذكر المصطفى لا الدابة التي سارت به.
وأما قصة لوط، فالمعنى سر بهم على ما يتحملون عليه من دابة ونحوها، هذا معنى قراءة القطع، ومعنى الوصل سر بهم ليلًا، ولم يأت مثل ذلك في الإسراء؛ لأنه لا يجوز أن يقال: سرى بعبده بوجه من الوجوه.
قال الحافظ: والنفي الذي جزم به إنما هو من هذه الحيثية التي قصد فيها الإشارة قصد فيه الإشارة إلى أنه سار ليلًا على البراق، وإلا فلو قال قائل: سرت بزيد، بمعنى صاحبته لكان المعنى صحيحًا "ليدفع الإشكال حتى لا يتخيل أنه أسرى بروحه فقط" دون جسده "ويزيل من خاطر من يعتقد من