كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 8)

"إلى جنبي: ما يعني به؟ قال: من ثغره نحره إلى شعرته. فاستخرج قلبي، ثم أتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانًا، فغسل قلبي، ثم حشي ثم أعيد".
__________
قال الحافظ: لم أر من نسبه من الرواة ولعله ابن أبي سبرة البصري، صاحب أنس، فقد أخرج له أبو داود من روايته، عن أنس حديثًا غير هذا انتهى، وجزم المصنف بما تراجاه، "وهو إلى جنبي ما يعني" أنس "به"، أي: بقوله: فشق ما بين هذه إلى هذه، "قال:" يعني "من ثغره نحره" بضم المثلثة وسكون المعجمة: الموضع المنخفض بين الترقوتين "إلى شعرته" بكسر المعجمة، أي: شعر العانة، ووقع السؤال: هل كان شق صدره الشريف بآلة أم لا؟، ولم يجب عنه أحد، ولم أر من تعرض له بعد التتبع، وظاهر قوله: فشق أنه كان بآلة، ويدل له قول الملك في حديث أبي ذر خط بطنه فخاطه، وفي لفظ عتبة بن عبد حصه فحاصه.
وفي حديث أنس: كانوا يرون أثر المخيط في صدره -صلى الله عليه وسلم- ذكره الشامي، وزعم بعض أن الشق في المرات كلها لم يكن بآلة، ولم يسل منه دم، ولم يجد لذلك ألما، كما صرح في بعض الروايات؛ لأنه من خرق العادات وظهور المعجزات، "فاستخرج قلبي، ثم أتيت" "بضم الهمزة" "بطست" "بفتح الطاء وبكسرها وسكون السين المهملة وبمثناة وقد تحدف"، وهو الأكثر إثباتها لغة طيئ، وأخطأ من أنكرها، قاله الحافظ "من ذهب" قبل تحريم استعماله، "مملوءة" بالجر على الصفة والتأنيث على لفظ الطست؛ لأنها مؤنثة "إيمانًا" نصب على التمييز ملئًا حقيقة، وتجسد المعاني جائز، كتمثيل الموت كبشًا، ووزن الأعمال وغير ذلك من أحوال الغيب، أو مجازًا، من باب التمثيل إذ تمثيل المعاني قد وقع كثيرًا، كما مثلت له الجنة والنار في عرض الحائط، وفائدته كشف المعنوي بالحسي، ثم هذا لفظ البخاري في المعراج، وله في بدء الخلق بطست ملئ حكمة وإيمانًا بالتذكير باعتبار الإناء، وللمستملي والحموي ملآن بفتح الميم وسكون اللام وهمزة ونون، وللكشميهني ملأى بفتح الميم وسكون اللام وفتح الهمزة مؤنث على لفظ الطست، فزاد في هذه الرواية حكمة.
قال ابن أبي جمرة فيه، إن الحكمة ليس بعد الإيمان أجل منها، ولذا قرنت معه، ويؤيده قوله تعالى: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269] الآية، وأوضح ما قيل فيها، أنها وضع الشيء في محله أو الفهم في كتاب الله، وعلى الثاني قد توجد الحكمة دون الإيمان، وقد لا توجد وعلى الأول قد يتلازمان؛ لأن الإيمان يدل على الحكمة، "فغسل" بضم الغين، أي: غسل جبريل "قلبي".
وفي مسلم والبخاري في الصلاة بماء زمزم؛ لأنه أفضل المياه ويقوي القلب، "ثم حشي" بضم المهملة، وكسر المعجمة إيمانًا وحكمة، "ثم أعيد" موضعه من الصدر المقدس، وللبخاري

الصفحة 29