كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 8)

"بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل، فأخذت اللبن، فقال جبريل: هي الفطرة التي أنت عليها وأمتك".
__________
موصولة هنا عن هدبة عنه، ووهم من زعم أنها معلقة، فقد روى الحسن بن سفيان الحديث بطوله عن هدبة إلى قوله: فرفع لي البيت المعمور.
فقال: قال قتادة: فحدثنا الحسن عن أبي هريرة، أنه -صلى الله عليه وسلم- رأى البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، ولا يعودون فيه، وعرف بذلك مراد البخاري بقوله في البيت المعمور.
وأخرج الطبري من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، قال: ذكر لنا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "البيت المعمور مسجد في السماء بحذاء الكعبة لو خر لخر عليها، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، إذا خرجوا منه لم يعودوا، وهذا وما قبله يشعر بأن قتادة كان يدرج قصة البيت المعمور في حديث أنس، وتارة يفصلها، وحين يفصلها تارة يذكرها سندها، وتارة يبهمه انتهى".
"ثم أتيت بإناء من خمر، وإناء من لبن، وإناء من عسل، فأخذت اللبن،" فشربت منه، "فقال جبريل: هي الفطرة التي أنت عليها وأمتك".
وفي حديث أبي هريرة عند البخاري في الأشربة: ولو أخذت الخمر غوت أمتك، وفي حديث أنس عند البيهقي: ولو شربت الماء غرقت وغرقت أمتك.
وفي مسلم من حديث ثابت عن أنس: أن إتيانه بالآنية كان ببيت المقدس قبل المعراج، ولفظه: "ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين، ثم خرجت، فجاءني جبريل بإناء من خمر، وإناء من لبن، فأخذت اللبن، فقال جبريل: أخذت الفطرة، ثم عرج بي إلى السماء، وجمع الحافظ بحمل، ثم على غير بابها من الترتيب، وإنما هي بمعنى الواو هنا، أو بوقوع عرض الآنية مرتين، مرة عند فراغه من الصلاة ببيت المدس، وسببه ما وقع له من العطش، ففي حديث شداد: فصليت من المسجد حيث شاء الله، وأخذني من العطش أشد ما أخذني، فأتيت بإناءين أحدهما اللبن، والآخر عسل، فعدلت بينهما، ثم هداني الله، فأخذت اللبن، فقال شيخ بين يدي، يعني لجبريل، أخذ صاحبك الفطرة، ومرة عند وصوله إلى سدة المنتهى، ورؤية الأنهار الأربعة".
وأما الاختلاف في عدد الآنية وما فيها فيحمل على أن بعض الرواة ذكر ما لم يذكر الآخر، ومجموعها أربعة أشياء من الأنهار التي رآها تخرج من أصل سدرة المنتهى، وهي الماء واللبن والعسل والخمر، كما في حديث أبي هريرة عند الطبري، فلعله عرض عليه من كل نهر إناء.
وجاء عن كعب أن نهر العسل نهر النيل، ونهر اللبن نهر جيحان، ونهر الخمر نهر الفرات ونهر الماء نهر سيحان.

الصفحة 37