كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 8)
من شغل البال بمشاهدة الملكوت ورجع إلى العالم الدنيوي، فالمراد: الإفاقة البشرية من الغمرة الملكية.
وقوله: "إذ أتاني آت هو جبريل عليه السلام"، وفي رواية شريك أنه جاءه ثلاثة نفر، قبل أن يوحى إليه، وهو نائم في المسجد الحرام، فقال أولهم: أيهم هو؟ قال أوسطهم: هو خيرهم، فقال آخرهم: خذوا خيرهم وكانت تلك الليلة -أي كانت تلك القصة الواقعة تلك الليلة ما ذكر هنا- فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى فيما
__________
الملك، "ورجع إلى العلام الدنيوي فالمراد: الإفاقة البشرية" التي يكون البشر عليها عادة "من الغمرة الملكية" التي كان عليها.
وقال ابن أبي جمرة: لو قال -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقظانًا لأخبر بالحق؛ لأن نومه ويقظته سواء، وعينه أيضًا لم يكن النوم تمكن منها، ولكن تحرى الصدق في الأخبار بالواقع، فيؤخذ منه أنه لا يعدل عن حقيقة اللفظ إلا لضرورة.
"وقوله: إذ أتاني آت، وهو جبريل عليه السلام"، ووقع في بدء الخلق، وذكر بين الرجلين وهو مختصر، أوضحته رواية مسلم بلفظ: إذ سمعت قائلًا يقول: أحد الثلاثة بين الرجلين، فأتيت، فانطلق بي، والمراد بالرجلين حمزة وجعفر، كان -صلى الله عليه وسلم- نائمًا بينهما.
قال ابن أبي جمرة: وفيه تواضعه وحسن خلقه، إذ أنه في الفضل حيث هو، ومع ذلك كان يضطجع مع الناس، ويقعد معهم، ولم يجعل لنفسه مزية عليهم، وفيه جواز نوم جماعة في موضع واحد، لكن بشرط أن يكون لكل واحد منهم ما يستر به جسده.
"وفي رواية شريك،" عن أنس في الصحيحين: "أنه جاءه" بكسر الهمزة، وللكشميهني: إذ بدل أنه، والأولى أولى، وللحموي والمستملي؛ أنه بفتح الهمزة، وجاء بلا ضمير، "ثلاثة نفر".
قال الحافظ: لم أقف على أسمائهم صريحًا، لكن في رواية الطبري: فأتاه جبريل: وميكائيل انتهى.
وكذا رواه ابن جرير وأبو يعلى، ويقال: إن الثالث إسرافيل، "قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام، فقال أولهم" جبريل، "أيهم هو؟ "؛ لأنه كان نائمًا بين حمزة وجعفر كما علم، "قال: أوسطهم"، أي: الثلاثة الذين جاوه وهو ميكائيل، "هو خيرهم، فقال آخرهم:" الثالث.
ولأبي ذر عن الكشميهني: أحدهم بالدال، أي: أحد الثلاثة، "خذوا خيرهم، وكانت تلك الليلة، أي: كانت تلك القصة الواقعة تلك الليلة ما ذكر هنا" بالضمير المستتر في كانت