كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 8)
فيحمل على أن المجيء الثاني كان بعد الوحي، وحينئذ وقع الإسراء والمعراج، وإذا كان بين المجيئين مدة فلا فرق بين أن تكون تلك المدة ليلة واحدة، أو ليالي أو عدد سنين، وبهذا يرتفع الإشكال عن رواية شريك، ويحصل به الوفاق أن الإسراء كان في اليقظة بعد البعثة وقبل الهجرة وسقط تشنيع الخطابي وغيره بأن شريكًا خالف الإجماع في دعواه أن المعراج كان قبل البعثة، وأقوى ما يستدل به على أن المعراج كان بعد البعثة، قوله في هذا الحديث نفسه: إن جبريل قال لبواب السماء إذ قال: أبعث؟ قال: نعم، فإنه ظاهر في أن المعراج كان بعد البعثة.
ووقع في رواية ميمون بن سياه -عند الطبراني-: فأتاه جبريل وميكائيل،
__________
البغدادي، ثقة، روى له الشيخان وغيرهما، وربما أخطأ، مات سنة تسع وأربعين ومائتين،"في كتاب المغازي له من طريقه".
"قال" الحافظ مجيبًا عن إشكال قوله: قبل أن يوحى إليه، "ولم يقع التعيين بين المجييئين" أي: زمن، "فيحمل على أن المجيء الثاني كان بعد الوحي، وحينئذ وقع الإسراء والمعراج،" فقوله: قبل أن يوحى إليه ظرف للمجيء الأول، لا لهما الذي هو منشأ التغليظ، "وإذا كان بين المجيئين مدة، فلا فرق بين أن تكون تلك المدة ليلة واحدة، أو ليالي" كثيرة، "أو عدد سنين، وبهذا" التقرير "يرتفع الإشكال عن رواية شريك، ويحصل به الوفاق" على "أن الإسراء كان في اليقظة بعد البعثة، وقبل الهجرة،" وفي ليلته فرضت الصلاة، "وسقط تشنيع الخطابي وغيره؛ بأن شريكًا خالف الإجماع في دعواه أن المعراج كان قبل البعثة".
وقال الحافظ أبو الفضل بن طاهر تعليل الحديث بتفرد شريك، ودعوى ابن حزم؛ أن الآفة منه شيء لم يسبق إليه، فإن شريكًا قبله أئمة الجرح والتعديل، ووثقوه ورووا عنه، وأدخلوا حديثه في تصانيفهم، واحتجوا به قال: وحديثه هذا رواه عنه سليمان بن بلال، وهو ثقة، وعلى تقدير تفرد بقوله: قبل أن يوحى إليه، فلا يقتضي طرح حديثه، فوهم الثقة في موضع من الحديث لا يسقط جميع الحديث، ولا سيما إذا كان الوهم لا يستلزم ارتكاب محذور، ولو ترك حديث من وهم في تاريخ، لترك حديث جماعة من أئمة المسلمين انتهى.
"وأقوى ما يستدل به على أن المعراج كان بعد البعثة قوله في هذا الحديث نفسه، أن جبريل قال لبواب السماء: إذ قال: أبعث" إليه لم يقع في لفظ الحديث إليه، لكن حملها على المصنف كغيره، فقال إليه للاستواء وصعود السماوات وليس الاستفهام عن أصل البعثة والرسالة؛ لأنه لا يخفى إلى هذه المدة، ولاشتهار أمر النبوة في الملكوت الأعلى، "قال: