كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 8)

في الدلائل، ولكل منها حكمة:
فالأول: وقع فيه من الزيادة، كما عند مسلم من حديث أنس: فاستخرج منه علقة فقال: هذا حظ الشيطان منك، وكان هذا في زمن الطفولية، فنشأ على أكمل الأحوال من العصمة من الشيطان، ولعل هذا الشق كان سببًا في إسلام قرينه المروي عند البزار من حديث ابن عباس، ويحتمل أن يكون الإشارة إلى حظ الشيطان المباين كالعفريت الذي أراد أن يقطع عليه صلاته وأمكنه الله منه.
وأما شق الصدر عند البعث، فلزيادة الكرامة، وليتلقى ما يوحى إليه بقلب
__________
ثبت في الصحيحين من حديث مالك بن صعصعة، وفي مسلم وغيره عن أنس في روايته عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بلا واسطة، وفي الصحيحين من رواية أنس عن أبي ذر وله طرق أخرى.
"وثبت شق الصدر أيضًا عند البعثة، كما أخرجه أبو نعيم في الدلائل"، والطيالسي والحارث بن أبي أسامة، والبيهقي في الدلائل من حديث عائشة، وقدمته في المقصد الأول في المبعث النبوي، "ولكل منها،" أي: المرات الثلاث المذكورة في بني سعد، ثم عند المبعث، ثم ليلة الإسراء، "حكمة، فالأول" الذي وقع، وهو عند حليمة "وقع فيه من الزيادة، كما عند مسلم من حديث أنس"؛ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه وصرعه، فشق عن قلبه، واستخرج القلب، ثم شقه، "فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان،" أي: الموضع الذي يتوصل منه إلى وسوسة الناس، ولا ينافيه قوله: "منك" لجواز تقدير مضاف، أي: من مثلك من بني آدم، وبقية خبر مسلم، ثم غسله من طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه، فأعاده مكانه، وجعل الغلمان يسعون إلى أمه، يعني ظئره، فقالوا: إن محمدًا قد قتل، فجاؤوا وهو منتقع اللون.
قال أنس: فلقد كنت أرى أثر المخيط في صدره، "وكان هذا في زمن الطفولية، فنشأ على أكل الأحوال من العصمة من الشيطان" وغيره، وخلقت هذه العلقة؛ لأنها من جملة الأجزاء الإنسانية، فخلقت تكملة للخلق الإنساني، ونزعها كرامة ربانية أبلغ من خلقه بدونها، قاله التقي السبكي، وقال غيره: لو خلق سليمًا منها لم يطلع الآدميون على حقيقته، فأظهره الله على يد جبريل ليتحققوا كمال باطنه، كما برز لهم مكمل الظاهر.
"ولعل هذا الشق كان سببًا في إسلام قرينه،" أي: صاحبه الموكل به من الجن، "المروي عند البزار من حديث ابن عباس،" رفعه: فضلت على الأنبياء بخصلتين: "كان شيطاني كافرًا، فاعانني الله عليه، فأسلم"، قال: ونسيت الأخرى، "ويحتمل أن يكون" قوله هذا حظ الشيطان منك، "الإشارة إلى حظ الشيطان المباين،" أي: خلاف القرين، "كالعفريت الذي

الصفحة 49