كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 8)

الأمور الخارقة للعادة، مما يجب التسليم له دون التعرض لصرفه عن حقيقته، لصلاحية القدرة، فلا يستحيل شيء من ذلك.
قال العارف ابن أبي جمرة: فيه دليل على أن قدرة الله تعالى لا يعجزها ممكن، ولا تتوقف لعدم شيء ولا لوجوده، وليست مربوطة بالعادة إلا حيث شاءته القدرة؛ لأنه على ما يعهد ويعرف أن البشر مهما شق بطنه كله وانجرح القلب مات ولم يعش، وهذ النبي -صلى الله عليه وسلم- قد شق بطنه المكرمة، حتى أخرج القلب وغسل،
__________
جبريل وضأه بعد غسل قلبه قلت: ليصير مطهرًا متطهرًا انتهى.
"ثم إن جميع ما ورد،" وبينه بقوله: "من شق الصدر واستخراج القلب، وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة" كاختراق السماوات "مما يجب التسليم له،" أي: تسليمه، فاللازم زائدة للتقوية "دون التعرض لصرفه عن حقيقته لصلاحية القدرة، فلا يستحيل شيء من ذلك؛" لأن القدرة إنما تتعلق بالممكن دون المستحيل، هكذا قاله القرطبي في المفهم، والطيبي، والتوربشتي والحافظ في الفتح، والسيوطي وغيرهم، ويؤيده الحديث الصحيح أنهم كانوا يرون أثر المخيط في صدره.
قال السيوطي: وما وقع من بعض جهلة العصر من إنكار ذلك، وحمله على الأمور المعنوي، وإلزام قائله القول بقلب الحقائق، فهو جعل صراح، وخطأ قبيح، نشأ من خذلان الله تعالى لهم، وعكوفهم على العلوم الفلسفية، وبعدهم عن دقائق السنة، عافانا الله من ذلك انتهى.
"قال العارف ابن أبي جمرة" بجيم وراء، "فيه دليل على أن قدرة الله تعالى لا يعجزها ممكن"، أي: لا يمنعها من التعلق به، بل يجوز تعلقها بسائر الممكنات، لا بالمستحيلات، فلا تتعلق بها أصلا، ولذا قي بممكن، فلا يفهم منه أنها تعجز عن التعلق بالمستحيل؛ لأنها لا تتعلق به أصلا، فلا يلتفت إلى مثل هذا الإيهام، "ولا تتوقف"، أي: لا تتخلف عن إيجادها إرادة، "لعدم" وجود "شيء" يؤثر فيها تعلقت به، "ولا لوجوده"، أي: شيء يمنع تأثيرها فيما تعلقب به، "وليست مربوطة بالعادة"، أي: ليس تأثيرها قاصرا على ما جرت به العادة، بل عام في جميع الممكنات، "إلا حيث شاءته"، أي: ربط التأثير بالعادة "القدرة،" ونسبة المشيئة إلى القدرة تسمح، إذ المشيئة إنما تنسب للقادر لا لشيء من صفاته فهو إما على حذف مضاف، أي: ذو القدرة أو مصدر بمعنى القادر؛ "لأنه على ما يعهد ويعرف أن البشر" "بفتحتين" ذكروا أو أثنى، واحد أو جمعا، وقد يثنى ويجمع أبشارا، كما في القاموس.
وفي المصباح؛ أن العرب ثنوه ولم يجمعوه من التثنية، أنؤمن لبشرين، "مهما شق بطنه كله، وانجرح القلب مات ولم يعش"، وكذا سائر الحيوان واقتصر على البشر لكون

الصفحة 51