كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 8)
وقد شق بطنه كذلك أيضًا وهو صغير وشق قلبه وأخرج منه نزغة الشيطان، ومعلوم أن القلب مهما وصل له الجرح مات صاحبه، وهذا النبي عليه الصلاة والسلام شق بطنه في هاتين المرتين، ولم يتألم بذلك، ولم يمت لما أن أراد الله تعالى أن لا يؤثر ما أجرى به العادة، أن يؤثر بها موت صاحبها، فأبطل تلك العادة، وقد رمي إبراهيم عليه الصلاة والسلام في النار فلم تحرقه، وكانت عليه بردًا وسلامًا. انتهى.
وقد حصل من شق صدره الكريم إكرامه عليه السلام بتحقيق ما أوتي من الصبر، فهو من جنس ما أكرم به إسماعيل الذبيح بتحقيق صبره على مقدمات الذبح شدًا وكتفًا وتلا للجبين، وإهواء بالمدية إلى المنحر فقال: {سَتَجِدُنِي إِن
__________
المصطفى منهم لا لإخراج غيره، "وهذا النبي -صلى الله عليه وسلم- قد شق بطنه المكرمة"، أنثه باعتبار الجارحة، وإلا فالبطن خلاف الظهر مذكر، "حتى أخرج القلب وغسل" وهو حي، "وقد شق بطنه كذلك"، كهذا الشق الواقع في المعراج "أيضًا، وهو صغير، وشق قلبه، وأخرج منه نزغة الشيطان"، أي: محل نزغته، أي: وسوسته الحاملة على خلاف ما أمر به كاعتراه غضب وفكر، ومعلوم أن القلب مهما وصل له الجرح، مات صاحبه، وهذا النبي -صلى الله عليه وسلم- شق بطنه في هاتين المرتين" وأخرج قلبه وشق، "ولم يتألم بذلك، ولم يمت لما أراد الله تعالى أن لا يؤثر ما"، أي: شيئًا، أو الذي "أجرى به العادة أن يؤثر بها موت صاحبها، فأبطل تلك العادة"، جواب لما، ودخول فيه قليل قاله شيخنا، والأظهر أن اللام في لما تعليلية لعدم موته، فالفاء للتفريع على التعليل.
"وقد رمي إبراهيم عليه الصلاة والسلام في النار، فلم تحرقه، وكانت عليه بردًا وسلامًا"، أي: إن شق الدر الشريف، وإن كان خارقًا للعادة، لا بعد فيه؛ لأنه ممكن، وقد وقع مثله للخليل حيث فعل به ما هو مهلك عادة، ولم يؤثر فيها شيء، فذكره للتقريب. "انتهى" كلام ابن أبي جمرة.
"وقد حصل من شق صدره الكريم إكرامه عليه السلام بتحقيق ما أوتي من الصبر"، بجعله صفة قائمة به، وكان ذلك تحقيقًا له لبروزه إلى الوجود الخارجي، "فهو من جنس ما أكره به إسماعيل الذبيح" على أحد القولين الشهيرين، والثاني إسحاق، وليت شعري، أي: اقتضاء فيمن حكى هذين القولين في الذبيح أن إبراهيم ليس له غيرهما من الأولاد، مع أن أولاده ثلاثة عشر، كلهم ذكور، كما في تاريخ ابن كثير، أو خمس منهم أناث على ما في الروض "بتحقيق صبره على مقدمات الذبح شدًا وكتفًا، وتلا" إلقاء "للجبين، وأهواء بالمدية" السكين، "إلى