كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 8)

فطم، وأيضًا: فإنه كان منفردًا عن أمه ويتيما من أبيه، واختطف من بين الأطفال، وفعل به ما فعل من الأهوال تسهيلًا لما يلقاه في المآل، وتعظيمًا لما يناله على الصبر من الثواب والثناء، ولهذا لما شج وجهه الشريف وجرح وكسرت رباعيته قال: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون"، زاده الله شرفًا وفضلًا.
وقوله: "ثم أتيت بطست من ذهب" إنما أتي بالطست؛ لأنه أشهر آلات الغسل عرفًا.
فإن قلت: إن استعمال الذهب حرام في شرعه عليه السلام فكيف استعمل الطست الذهب هنا؟.
أجاب العارف ابن أبي جمرة: بأن تحريم الذهب إنما هو لأجل الاستمتاع به
__________
وفي الشامي: اختلف هل وقع له مع ذلك مشقة أم لا؟، فقال الحافظ: من غير مشقة، وبه جزم ابن الجوزي، فقال: فشقه وما شقه عليه، وقال ابن دحية، بمشقة عظيمة، ولهذا انتقع لونه أي: صار كلون النقع، قلت: رواية انتقع لونه حكاية لما وقع في المرة الأولى وهو صغير في بني سعد، وأما ما وقع بعدها، فلم ينقل أنه تأثر لذلك. انتهى.
"وكذلك الابتلاء أيضًا من حيث الشق، فإن ذلك وقع لنبينا -صلى الله عليه وسلم- بعيد"، بلفظ التصغير، "ما فطم" بشهرين أو ثلاثة، وكان فطامه بعد عامين، "وأيضًا كان منفردًا عن أمه" في بني سعد، وأمه بمكة، "ويتيمًا من أبيه"، لموته وهو حمل على الصحيح، "واختطف من بين الأطفال" الذين كان معهم في البرية، "وفعل به ما فعل من الأهوال تسهيلًا لما يلقاه في المآل، وتعظيمًا لما يناله على الصبر من الثواب والثناء" من الكبير المتعال، "ولهذا لما شج وجهه الشريف" في أحد، "وجرح وكسرت رباعيته" بفتح الراء الموحدة وخفة التحتية، "قال: "اللهم اغفر لقومي" مغفرة
تصرف عنهم عذاب الاستئصال، "فإنهم لا يعملون" رفع قدري عندك، فأعتذر عنهم بالجهل الحكمي، وإن كان عد الآيات البينات ليس بعذر، ولم يقل: يجهلون تحسينا للعبارة ليجذبهم بزمام لطفه إلى الإيمان، ويدخهلم بعظيم عفوه، حرم الأمان، "زاده الله شرفًا وفضلًا" -صلى الله عليه وسلم.
"وقوله: "ثم أتيت بطست من ذهب"، إنما أتى بالطست؛ لأنه أشهر"، أي: أظهر "آلات الغسل عرفًا" من حيث إن استعماله للغسل أكثر من استعمال غيره، "فإن قلت: إن استعمال الذهب حرام في شرعه عليه السلام"، بنصه على حرمته، "فكيف استعمل الطست الذهب

الصفحة 55