كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 8)

الرجس عنه ولكونه وقع عند الذهاب إلى ربه، وإن نظر إلى معناه، فلوضاءته ونقائه وصفاته. انتهى.
والمراد بقوله: ملئ حكمة وإيمانًا أن الطست جعل فيها شيء يحصل به كمال الإيمان والحكمة، فسمي حكمة وإيمانًا مجازًا.
والملء يحتمل أن يكون حقيقة وبجسد المعاني جائز، كما جاء أن سورة البقرة
__________
ثبوت كونهم مكلفين بما كلفنا به وراء ذلك أن ذلك كان على أصل الإباحة؛ لأن تحريم الذهب إنما وقع بالمدينة كما سيأتي واضحًا في اللباس انتهى.
"قال السهيلي و" تلميذه "ابن دحية: أن نظر إلى لفظ الذهب ناسب من جهة إذهابه الرجس الإثم والسوء عنه، ولكونه وقع عند الذهاب إلى ربه، وإن نظر إلى معناه فلوضاءته ونقائه وصفائه"، ولثقله ورثوبته، والوحي ثقيل، قال الله تعالى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل: 5] {مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المؤمنون: 102] الآية؛ ولأنه أعز الأشياء في الدنيا، والقرآن هو الكتاب العزيز. "انتهى" كلام السهيلي بهذا الذي زدته.
زاد ابن دحية: ولأنه رأس الإيمان وقيمة المتلفات، فهو إذا أصل الدنيا، والإيمان أصل الدين، فوقع التنبيه على أن أصل الدنيا آلة لأصل الدين، وخادم له ووسيلة إليه، وأنه إذا قضيت الحاجة منه عدل عنه.
قال بعض: ومن المناسبات خلق سرور القلب عند رؤيته، كما قال تعالى في البقرة، {صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِين} [البقرة: 69] الآية، ويكون جعل الذهب آنية الإيمان من جنس قوله: "الدنيا مطية الآخرة" "والمراد بقوله: ملئ حكمة وإيمانًا، أن الطست جعل فيها شيء يحصل به كمال الإيمان والحكمة، فسمي حكمة وإيمانًا مجازًا".
وأورد السهيلي كيف يكون الإيمان والحكمة في طست من ذهب، والإيمان عرض من الأعراض لا يوصف بها إلا محلها الذي تقوم به، ولا يجوز فيها الانتقال؛ لأنه صفة الأجسام لا الأعراض، وأجاب؛ بأنه إنما غبر عما في الطست بهما، كما عبر عن اللبن الذي شربه وأعطى فضله عمر بالعلم، فكان تأويل ما أفرغ في قلبه إيمانا وحكمة، ولعل الذي كان في الطست ثلجًا، وبردًا، كما في الحديث الأول، فعبر في المرة الثانية بما يؤول إليه، وعبر عنه في الأولى بصورته التي رآها؛ لأنه كان طفلًا فلما رأى الثلج في طست الذهب، اعتقده ثلجا حتى عرف تأويله بعد، وفي المرة الأخرى كان نبيًان فلما رأى طست الذهب مملوءة ثلجًا علم التأويل لحينه، أي: لوقته، واعتقده في ذلك المقام حكمة وإيمانًا، فكان لفظه في الحديثين على حسب اعتقاده في المقامين، انتهى.

الصفحة 58