كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 8)

تجئ يوم القيامة، كأنها ظلة، والموت في صورة كبش، وكذلك وزن الأعمال وغير ذلك.
وقال البيضاوي: لعل ذلك من باب التمثيل، إذ تمثيل المعاني قد وقع كثيرًا، كما مثلت له الجنة والنار في عرض الحائط، وفائدته كشف المعنوي بالمحسوس.
__________
"و" هذا "الملء يحتمل أن يكون حقيقة، وبجسد المعاني جائز، كما جاء أن سورة البقرة تجيء يوم القيامة كأنها ظلة"، كما قال -صلى الله عليه وسلم: "اقرؤوا الزهراوين البقرة وآل عمران، فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف"، الحديث رواه مسلم، وأو للتنويع وتقسيم القارئين، فالأول لمن قرأهما بلا فهم معناهما، والثاني لمن قرأهما مع فهمه، والثالث لمن ضم إليهما تعليم المستفيد، وإرشاد الطالب، وبيان حقائقهما، وكشف ما فيهما، الأول عام في كل أحد، والثاني يختص بمثل الملوك، والثالث أرفع كما كان سليمان، وغمامتان "بالميم"، وغيايتان "بتحتية": كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه كالسحابة وغيرها، كما في النهاية.
قال البيضاوي: ولعله أراد ما يكون له صفاء وضوء، إذ الغيابة ضوء شعاع الشمس، "والموت"، وهو عرض يمثل "في صورة كبش" كما قال -صلى الله عليه وسلم: "يؤتى بالموت كأنه كبش أملح، حتى يوقف على السور بين الجنة والنار، فيقال: يا أهل الجنة، ويا أهل النار، هل تعرفون هذا؟، فيقولون: نعم، هذا الموت، فيضجع ويذبح، فلولا أن الله قضى لأهل الجنة الحياة والبقاء لماتوا فرحًا، ولو أن الله قضى لأهل النار الحياة فيها لماتوا ترحًا".
وفي رواية: "فيذبح وهم ينظرون، فلو أن أحدًا مات فرحًا لمات أهل الجنة، ولو أن أحدًا مات حزنا لمات أه النار"، رواهما الترمذي عن أبي سعيد، والقول: إن الموت جسم لا يصح.
قال الحافظ: من الأخبار الواهية في صفة البراق ما ذكره الماوردي عن مقاتل، وأورده القرطبي في التذكرة، ومن قبله الثعلبي من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: الموت والحياة جسمان، فالموت ليس يجد ريحه شيء إلا مات، والحياة فرس بلقاء أنثى، وهي التي كان جبريل والأنبياء يركبونها، لا تمر بشيء، ولا يجد ريحها شيء إلا حيي، "وكذلك وزن الأعمال وغير ذلك" من أحوال الغيب.
"وقال البيضاوي" في شرح المصابيح: "لعل ذلك من باب التمثيل، إذ تمثيل المعاني قد وقع كثيرًا، كما مثلت له الجنة والنار في عرض الحائط" بضم العين، أي: جانبه، وهذا تنظير؛ لأن الجنة والنار ليستا من المعاني التي تنتقل في الذهن، ولا صور لها خارجية، فلا يصح

الصفحة 59