كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 8)

وقال العارف ابن أبي جمرة: فيه دليل على أن الإيمان والحكمة جواهر محسوسات لا معاني؛ لأنه عليه السلام قال عن الطست: "إنه أتي به مملوءا حكمة وإيمانًا"، ولا يقع الخطاب إلا على ما يفهم ويعرف، والمعاني ليس لها أجسام حتى تملأ، وإنما يملأ الإناء بالأجسام والجواهر، وهذا نص من الشارع عليه الصلاة والسلام بضد ما ذهب إليه المتكلمون في قولهم: إن الإيمان والحكمة أعراض.
والجمع بين الحديث وما ذهبوا إليه، هو أن حقيقة أعيان المخلوقات التي ليس للحواس فيها إدراك، ولا من النبوة إخبار عن حقيقتها غير محققة، وإنما هي غلبة ظن؛ لأن للعقل -بالإجماع من أهل العقل المؤيدين بالتوفيق- حدًا يقف عنده، ولا يتسلط فيما عدا ذلك، ولا يقدر أن يصل إليه، فهذا وما أشبهه منها؛ لأنهم تكلموا على ما ظهر لهم من الأعراض الصادرة عن هذه الجواهر التي ذكرها الشارع -صلى الله عليه وسلم- في الحديث، ولم يكن للعقل قدرة أن يصل إلى هذه الحقيقة
__________
جعلهما مثالين للمعاني، لكنه قصد تقريب تعقل تصور المعاني بتصوير الجنة والنار، فإنهما مع عظمهما صور له في عرض الحائط، فكما وقع خرق العادة بذلك كذلك لا بعد في تصوير المعاني بصور محسوسة خرقًا للعادة "وفائدته كشف المعنوي"، إظهاره وتصويره "بالمحسوس" أي: تصويره بصورته للتقريب.
"وقال العارف ابن أبي جمرة: فيه دليل على أن الإيمان، والحكمة جواهر محسوسات، لا معاني؛ لأنه عليه السلام قال عن الطست: "إنه أتى به مملوء حكمة وإيمانًا، ولا يقع الخطاب إلى على ما يفهم ويعرف" للمخاطبين، فالمتبادر منه أنها جواهر، "والمعاني ليس لها أجسام حتى تملأ" الطست، "وإنما يلمأ الإناء بالأجسام والجواهر"، لا بالأعراض، "وهذا نص من الشارع عليه الصلاة والسلام بضد ما ذهب إليه المتكلمون في قولهم: إن الإيمان والحكمة أعراض، والجمع بين الحديث" المذكور الدال على أنها جواهر قائمة بأنفسها، "وما ذهبوا إليه" من أنها أعراض تقوم بغيرها لا بأنفسها، "هو أن حقيقة أعيان المخلوقات التي ليس للحواس فيها إدراك، ولا" ثبت من "جهة النبوة أخبار عن حقيقتها"، فلم يخبر بها أحد من الأنبياء "غير محققة، وإنما هو غلبة ظن؛ لأن للعقل بالإجماع من أهل العقل المؤيدين بالتوفيق حدًا يقف عنده، ولا يتسلط فيما عدا ذلك، ولا يقدر أن يصل إليه، فهذا وما أشبهه منها؛ لأنهم تكلموا على ما ظهر لهم من الأعراض الصادرة عن هذه الجواهر التي كذرها الشارع عليه السلام في الحديث، ولم يكن للعقل قدرة أن يصل

الصفحة 60