كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 8)

محسوسات، فمنهم من يعاين إيمانه مثل المصباح، ومنهم من يعاينه مثل الشمعة، ومنهم من يعاينه مثل المشعل وهو أقواها. ويقولون: بأنه لا يكون المحقق محققًا، حتى يعاين قلبه بعين بصيرته، كما يعاين كفه بعين بصره فيعرف الزيادة فيه من النقصان.
فإن قلت: ما الحكمة في شق صدره الشريف ثم ملئه إيمانًا وحكمة، ولم لم يوجد الله تعالى ذلك فيه من غير أن يفعل به ما فعل؟
أجاب العارف ابن أبي جمرة: بأنه -صلى الله عليه وسلم- لما أعطي كثرة الإيمان وقوي
__________
الطاعات، واجتناب المنهيات، سمي ذلك معاملة أخذًا من قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [البقرة: 245] .
قال البيضاوي: إقراضه مثل لتقديم العمل الذي يطلب ثوابه، أي: إقراضصا حسنًا مقرونًا بالإخلاص وطيب النفس، أو مقرضًا حلالًا طيبًا، وقيل: القرض الحسن المجاهدة والإنفاق في سبيل الله، صحيح في نفسه، لكنه غير ما يعنيه الصوفية، وإن رجع إلى بعض ما قالوا.
"والتحقيق القائلين بأنهم يرون قلوبهم وقلوب إخوانهم، وإيمانهم وإيمان إخوانهم بأعين بصائرهم": جمع بصيرة، وهي قوة للقلب المنور بنور القدس، يرى بها حقائق الأشياء، وبواطنها بمثابة البصر للعين، يرى به صور الأشياء وظاهرها قاله ابن الكمال.
"جواهر محسوسات، فمنهم من يعاين إيمانه مثل المصباح"، أي السراج، أي: الفتيلة الموقودة، "ومنهم من يعانيه مثل الشمعة" واحدة الشمع بفتح الميم وتسكن تخفيفًا، وقيل: الفتح، لغة العرب والسكون لغة المولدين، "ومنهم من يعاينه مثل المشعل"، كمقعد القنديل، كما في القاموس، والمراد هنا معناه العرفي، وهو الشعلة العظيمة، وإلا ساوى المصباح، ونافى قوله: "وهو أقواها"، أي: أكثر من ضوء المصباح والشمعة.
"ويقولون: بأنه لا يكون المحقق محققًا حتى يعاين قلبه بعين بصيرته" قلبه، فله عين، كما أن للجسد عينًا، "ما يعاين كفه بعين بصره، فيعرف الزيادة من النقصان"، وحينئذ يكون محققًا.
"فإن قلت: ما الحكمة في شق صدره الشريف، ثم ملئه"؟ بكسر الميم وسكون اللام، من عطف الاسم على الاسم، هكذا في نسخة صحيحة، وهي ظاهرة.
وفي نسخة: ثم ملئ وينبغي تأويله بالمصدر ليحصل التناسب بين المتعاطفين "إيمانًا وحكمة، ولم لم يوجد الله تعالى ذلك" المذكور من الإيمان والحكمة "فيه"، أي: القلب،

الصفحة 62