كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 8)

يلتفت، فكان هناك في الحضرة كما أخبر عنه ربه عز وجل بقول: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم: 17] .
وأما حاله عليه السلام في هذا العالم: فكان إذا حمي الوطيس في الحرب ركض بغلته في نحر العدو، وهم شاكون في سلاحهم، ويقول: "أنا النبي لا كذب".
ثم إن في العناية بتطهير قلبه المقدس، وإفراغ الإيمان والحكمة، فيه إشارة إلى مذهب أهل السنة في أن محل العقل ونحوه من أسباب الإدراكات كالنظر أو
__________
بقوله: "وما منا إلا له مقام معلوم، وهو سدرة" المنتهى التي لم يتجاوزها أحد إلا نبينا، -صلى الله عليه وسلم-، قاله النووي، "قال: ها أنت وربك وهذا مقامي" بفتح الميم، أي: موضعي، "لا أتعداه، فزج به في النور زجة، ولم يتوان، ولم يلتفت"، أي: ألقى نفسه بلا توقف لما عنده من الثبات وقوة القلب، "فكان هناك في الحضرة، كما أخبر عنه ربه عز وجل بقوله: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ} "، ما مال بصره -صلى اله عليه وسلم- عما رآه، " {وَمَا طَغَى} [النجم: 17] الآية، ما تجاوزه، بل أثبته إثباتا صحيحًا متيقنا، أو ما عدل عن رؤية العجائب التي أمر برؤيتها، وما جاوزها، وما أحسن اختصار الحافظ لهذا كله بقوله في الفتح.
قال ابن أبي جمرة: الحكمة في شق بطنه مع القدرة على أن يمتلئ قلبه إيمانًا وحكمة بغير شق، الزيادة في قوة اليقين؛ لأنه أعطى بشق بطنه وعدم تأثره بذلك، م أمن معه من جميع المخاوف العادية، فلذا كان أشجع الناس وأعلاهم حالًا ومقالًا، ولذلك وصف بقوله تعالى: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم: 17] الآية.
"وأما حاله عليه السلام في هذ العالم: فكان إذا حمي الوطيس" التنور، أي: اشتد الحرب كما فسر به حديث: "الآن حمي الوطيس"، فالأولى إسقاط قوله: "في الحرب" اللهم إلا أن يجرد عن معناه، بأن يقال: المعنى إذا اشتد الأمر "ركض بغلته"، أي: ضربها لتعدو "في نحر العدو"، أي: صدورهم فلا يهاب أحدًا منهم، ولا يمنعه من ذلك كثرتهم ولا شدتهم في الحرب، "وهم شاكون" أي: داخلون "في سلاحهم" دروعًا وغيرها، فهي محيطة بكل بدنهم، وفيه مسامحة، إذ لا يتأتى أن تكون الأسلحة لهم غير الدروع ظروفًا، فالظرفية اعتبارية فيه كما في جذوع النخل بالغ في جعل السلاح ظرفًا لهم، كأنهم لشدة تمكنهم منها واستيلائهم عليها مظروفون فيها.
"ويقول: "أنا النبي لا كذب": لأن صفة النبوة يستحيل معها الكذب، فكأنه قال: أنا النبي، والنبي لا يكذب، فلست بكاذب، أنا ابن عبد المطلب، فركوبه البلغة مزيد ثبات؛ لأنها

الصفحة 64