كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 8)

قال: لأنه لم يغسل قلبه المكرم إلا بأفضل المياه، وإليه يومئ قول العارف ابن أبي جمرة في كتابه "بهجة النفوس".
__________
أفضل من ماء الكوثر، قال: لأنه لم يغسل قلبه المكرم إلا بأفضل المياه"، وتوقف السيوطي فيه بأن كونه لا يغسل إلا بأفضل المياه مسلم، ولكن بأفضل مياه الدنيا، إذ الكوثر من متعلقات دار البقاء، فلا يستعمل في دار الفناء، ولا يشكل بكون الطست الذي غسل منه صدره -صلى الله عليه وسلم- من الجنة؛ لأن استعمال هذا ليس فيه ذهاب عين بخلاف ذاك.
وأجاب في الإيعاب، بأنه إذا سلم أنه لا يغسل إلا بأفضل المياه لزمه تسليم قول البلقيني، وتخصيصه بأفضل مياه الدنيا، لما ذكره لا دليل عليه، وكون ماء الكوثر من الجنة لا يقضي عدم الغسل به؛ لأن المناسب لحاله -صلى الله عليه وسلم- أن يستعمل له الأفضل مطلقًا لا بالنسبة لدار الدنيا، إذ لا أصل في الأفضل على الإطلاق أن لا يستعمل له إلا الأفضل، كذلك والفرق بينه وبين الطست بما ذكره لا تأثير له؛ لأن ذلك الوقت وقت إظهار كرامته وخرق العادة له وإلا لحرم استعمال الذهب، فلما جاز علمنا أن القصد به خرق العادة لمزيد إظهار الكرامة، وهذا مقتضى استعمال الذهب، فلما جاز علمنا أن القصد به خرق العادة لمزيد إظهار الكرامة، وهذا مقتضى لاستعمال ماء الكوثر، لو كان أفضل، فلما نزل إلى ماء زمزم اقتضى ذلك بقرينة المقام أنه أفضل منه.
قال: وبهذا يرد على من نازع البلقيني أيضًا، يعني السيوطي، بخبر لقاب قوس أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها، وأجاب عن الغسل به دون مائها؛ بأنه قد ألفه ونشأ عليه كجده إسماعيل، إذ هو أول ماء نبع بمكة لأجله، ووجه رد أن الخبر مخصوص والألفة لا تقتضي ما ذكر، سيما في مقام إظهار شرفه.
ونازعه أيضًا بأن الحكمة الغسل به، قول الزين العراقي: إنه يقوى به على رؤية الملكوت؛ لأن من خواصه أنه يقوي القلب، ويسكن الروع، فإذا ثبت هذا لم يكن في الغسل به دلالة على أفضليته؛ لأن سلب هذا المعنى عن ماء الكوثر لا يقتضي أن ماء زمزم أفضل منه؛ لأن سبب انتفائه عنه أنه من مياه الجنة وهي لا روع فيها حتى يحتاج لسلبه، فسلبه عنده لعدم المحل القابل، لا لعجز الفاعل، وبأن الكوثر مما من الله به على نبيه، وأنزل فيه القرآن وزمزم من عطاء إسماعيل، ولم ينزل فيها ما نزل من القرآن فيه، ومن خصوصياته أن من شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبدًا، وغير ذلك انتهى.
ووجه رده أن ما ذكر من الحكمة لم يثبت على أنه يكفي في تقوية قلبه، وتسكين روعه، ما وقع له من تكرر شق الصدر المنبئ عن بلوغه في قولة القلب، وسكون الروع إلى الغاية القصوى، فلا يحتاج لشيء آخر، وعلى التنزل، فكونه غسل به لأجل ذلك لا يقتضي أنه غسل به لذلك، بل يحتمل أنه لذلك، ولإظهار شرفه، فالأمران يحتمل أنهما مقصودان، فما الليل على

الصفحة 66