كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 8)

وأما قوله عليه الصلاة والسلام: $"فغسل صدري" فالظاهر أن المراد به القلب كما في الرواية الأخرى، وقد يحتمل أن تحمل كل رواية على ظاهرها، ويقع الجمع بأن يقال: أخبر عليه الصلاة والسلام مرة بغسل صدره الشريف ولم يتعرض لذكر قلبه، وأخبر مرة أخرى بغسل قلبه ولم يتعرض لذكر صدره، فيكون الغسل قد حصل فيهما معًا مبالغة في تنظيف المحل المقدس، ولا شك أن المحل الشريف كان طاهر مطهرًا، وقابلًا لجميع ما يلقى إليه من الخير، وقد غسل أولًا
وهو عليه السلام طفل، وأخرج من قلبه نزغة الشيطان، وإنما كان ذلك إعظامًا وتأهبا لما يلقى هناك، وقد جرت الحكمة بذلك في غير موضع مثل الوضوء للصلاة لمن كان متنظفًا؛ لأن الوضوء في حقه إنما هو إعظام، وتأهب للوقوف بين يدي الله تعالى ومناجاته، فكذلك
__________
قصره على أحدهما، وكون الكوثر مما من الله به على نبينا بخلاف زمزم لا يكون صريحًا في الأفضلية، وما ذكر فيه من الخصوصية ورد في زمزم أعظم منه، وهو أن من شرب منها للأمن من العطش يوم القيامة أعطيه، كما يصرح به الحديث الصحيح، خلافًا لمن نازع فيه ماء زمزم لما شرب له، وقول ابن الرفعة والماء النابع من بين أصابعه -صلى الله عليه وسلم- أشرف المياه، لا يرد على البلقيني؛ لأن قوله إلا بأفضل المياه، أي: الموجودة إذ ذاك، والنابع لم يكن موجودًا إذ ذاك، ولا يرد على ابن الرفعة الحديث الصحيح خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم؛ لأن ما نبع من أصابعه لم يكن موجودًا عند قوله ذلك انتهى.
"وإليه يومئ قول العارف ابن أبي جمرة في كتابه بهجة النفوس"، اسم شرحه على الأحاديث التي انتخبها من البخاري.
"وأما قوله عليه الصلاة والسلام: $"فغسل صدري" فالظاهر أن المراد به القلب، كما في الرواية الأخرى" في البخاري عن مالك بن صعصعة: فغسل قلبي، وفي رواية مسلم: فاستخرج قلبي فغسل بماء زمزم، "وقد يحتمل أن تحمل كل رواية على ظاهرها، ويقع"، أي: يحصل، "الجمع" بينهما، "بأن يقال: أخبر عليه الصلاة والسلام مرة بغسل صدره الشريف، ولم يتعرض لذلك قلبه، وأخبر مرة أخرى بغسل قلبه، ولم يتعرض لذكر صدره، فيكون الغسل قد حصل فيهما" مرة لقلبه بعد إخراجه، ومرة لصدره بعد شقه، "معًا مبالغة في تنظيف المحل المقدس، ولا شك أن المحل الشريف كان طاهرًا مطهرًا، وقابلًا لجميع ما يلقى إليه من الخير"، ومنه الإيمان والحكمة، "وقد غسل أولًا وهو عليه السلام طفل، وأخرج من قلبه نزغة الشيطان، وإنما كان ذلك إعظامًا وتأهبًا لما يلقى هناك" لا لإزالة أمر مستقذر فيه لكمال خلقه، والعلقة التي أخرجت منه لم يكن للشيطان عليها لو لم تخرج سبيل، وإنما قصد

الصفحة 67