كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 8)

غسل جوفه الشريف هنا، وقد قال الله تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32] ، فكان الغسل له عليه السلام من تعظيم شعائر الله، وإشارة لأمته بالفعل بتعظيم شعائر الله، كما نص عليه بالقول.
وأما قوله: " ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض، يضع خطوه عند أقصى طرفه فحملت عليه، فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا"، وفي رواية عنده في الصلاة ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء.
فظاهره: أنه استمر على البراق حتى عرج إلى السماء.
قال العارف ابن أبي جمرة: أفاد ذلك أنهم كانوا يمشون في الهواء، وقد
__________
بإخراجها المبالغة في إظهار تعظيمه، وتكميله من بين أفراد أنواعه.
"وقد جرت الحكمة بذلك في غير موضع"، وفي نسخة بزيادة ما للتأكيد، "مثل الوضوء للصلاة لمن كان متنظفًا"، ولو نظافة حسية، بأن غسل بدنه، وبالغ في تنظيفه، ولم يأت بأفعال الوضوء على الوجه المعتبر فيه شرعًا؛ "لأن الوضوء" الشرعي "في حقه، إنما هو إعظام وتأهب للوقوف بين يدي الله تعالى ومناجاته"؛ لأن المصلي يناجي ربه، والقصد بالوضوء إعظامه، إذ ليس ثم دنس محسوس يزيله الوضوء، ولا ينافي هذا قول الفقهاء أن الحدث أمر اعتباري يقوم بالأعظاء يمنع صحة الصلاة حيث لا مرخص لجواز أنهم أرادوا بالاعتباري معنى أراده الشارع منافيًا لكمال التعيظم مع خلو الأعضاء من الدنس الحسي، "فكذلك غس جوفه الشريف هنا" ليس لعدم القابل، بل للإعظام والتأهب للمناجاة.
"وقد قال الله تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32] "، أي: فإن تعظيمها منه من أفعال ذوي تقوى القلوب، فحذفت هذه المضافات والعائد إلى من، وذكر القلوب؛ لأنها منشأ التقوى والفجور والآمرة بهما، قاله البيضاوي.
"فكان الغسل له عليه السلام من تعظيم شعائر الله وإشارة لأمته بالفعل"، من الملك معه بتعظيم شعائر الله كما نصل عليه بالقول" في الآية المذكورة.
"وأما قوله: "ثم أتيت بدابة دون البلغ وفوق الحمار أبيض"، ذكر باعتبار أنه مركوب أو نظر اللفظ البراق: "يضع خطوه عند أقصى طرفه" براء ساكنة وفاء، أي: نظره، "فحملت عليه، فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا".
"وفي رواية عنده": أي: البخاري "في الصلاة، "ثم أخذ بيدي فعرج بي السماء، فظاهره أنه استمر على البراق حتى عرج إلى السماء"، وهذا الظاهر ليس بمراد لما ثبت أنه ربط البراق ببيت المقدس، ورقي السماء على المعراج كما يأتي بيانه، ومشى على ظاهره ابن

الصفحة 68