كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 8)
جرت العادة بأن البشر لا يمشي في الهواء، سيما وكان راكبًا على دابة من ذوات الأربع، لكن لما أن شاءت القدرة ذلك كان، فكما بسط تعهالى لهم الأرض يمشون عليها، كذلك يمشيهم في الهواء، كل ذلك بيد قدرته، لا ترتبط قدرته تعالى بعادة جارية، وقد سئل عليه السلام حين أخبر عن الأشقياء الذين يمشون على وجوههم يوم القيامة كيف يمشون فقال عليه السلام: "الذي أمشاهم في الدنيا على أقدامهم قادر أن يمشيهم يوم القيامة على وجوههم". انتهى.
وقد استدل بعضهم بهذا الحديث على أن المعراج كان في ليلة غير ليلة الإسراء إلى بيت المقدس، لكون الإسراء إليه لم يذكر هنا.
فأما المعراج ففي غير هذه الرواية من الأخبار أنه لم يكن على البراق، بل رقي في المعراج وهو السلم، كما وقع التصريح به في حديث عن ابن إسحاق
__________
أبي جمرة في قوله، والقدرة كانت صالحة؛ لأن يصعد بنفسه من غير براق، لكن ركوب البراق كان زيادة في تشريفه؛ لأنه لو صعد بنفسه كان في صورة ماش، والراكب أعز من الماشي.
"قال العارف ابن أبي جمرة" عقب هذا: "أفاد ذلك أنهم كانوا يمشون في الهواء، وقد جرت العادة بأن البشر لا يمشي في الهواء، سيما وكان راكبًا على دابة من ذوات الأربع"، يعني البراق، "لكن لما أن شاءت القدرة ذلك كان"، أي: شاء ذو القدرة، ففيه مضاف، أو مصدر، بمعنى اسم الفاعل، أي القادر، وأنث الفعل نظرًا للفظ، فلا يرد أن القدرة صفة لا تنسب لها المشيئة، وإنما تنسب لله تعالى، "فكما بسط تعالى لهم الأرض يمشون عليها، كذلك يمشيهم في الهواء، كل ذلك بيد قدرته، لا ترتبط قدرته تعالى بعادة جارية"، أي: لا يتوقف تأثيرها على موافقة عادة، بل تؤثر في كل ممكن أراد تأثيرها فيه وإن خالف العاد.
"وقد سئل عليه السلام حين أخبر عن الأشقياء" الكفار، "الذين يمشون على وجوههم يوم القيامة، كيف يمشون؟ فقال عليه السلام": "إن الذي أمشاهم في الدنيا على أقدامهم" في رواية: "على أرجلهم"، "قادر على أن يمشيهم يوم القيامة على وجوههم"، والحديث في الصحيحين عن أنس. "انتهى" كلام ابن أبي جمرة.
"وقد استدل بعضهم بهذا الحديث على أن المعراج، كان في ليلة غير ليلة الإسراء إلى بيت المقدس، لكون الإسراء إليه لم يذكر هنا"، إذ ظاهر قوله: فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا، أنه استمر سائرًا به إليها، ثم إلى حيث شاء الله، ولم ينزل بيت المقدس، "فأما المعراج ففي غير هذه الرواية من الأخبار" ما يدل على "أنه لم يكن على البراق، بل