كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 8)

والبيهقي في الدلائل كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
ويموكن أن يقال: ما وقع هنا اختصار من الراوي، والإتيان بـ"ثم" المقتضية للتراخي لا ينافي وقوع الإسراء بين الأمرين المذكورين، وهما: الانطلاق والعروج.
وحاصله: أن بعض الرواة ذكر ما لم يذكره الآخر، وثابت البناني قد حفظ الحديث، ففي روايته عند مسلم: أنه أتى بيت المقدس فصلى به ثم عرج إلى السماء كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وقد قيل: إن الحكمة في الإسراء به راكبًا، مع القدرة على طي الأرض له، إشارة إلى أن ذلك وقع تأنيسًا له بالعادة، في مقام خرق العادة؛ لأن العادة جرت أن الملك إذا استدعى من يختص به بعث إليه بمركوب سني يحمله عليه في
__________
رقي في المعراج، وهو المسلم كما وقع التصريح به في حديث عند ابن إسحاق، والبيهقي في الدلائل" النبوية، من حديث أبي سعيد "كما سيأتي إن شاء الله تعالى" قريبًا "ويمكن أن يقال" في الجمع "ما" الذي "وقع هنا اختصار من الراوي"، فيرد ما هنا إلى تلك الرواية، كأن يقال قوله: "حتى أتى السماء الدنيا"، ذكر غاية ما وصل به جبريل، ولم ينظر لتفاصيل، ما دون ذلك، "والإتيان بثم المقتضية للتراخي لا ينافي وقوع الإسراء بين الأمرين المذكورين، وهما الانطلاق" المذكور في قوله: "فانطلق بي جبريل"، "والعروج" المذكور بقوله: "حتى أتى السماء"، وفي نسخة: الإطباق "بكسر الهمزة فطاء ساكنة فموحدة ثم قاف"، أي: إطباق صدره كما كان، وفيه تعسف، "وحاصله"، أي: هذا الجمع "أن بعض الرواية ذكر ما لم يذكره الآخر".
وقال النعماني: ما المانع من أنه -صلى الله عليه وسلم- رقي المعراج فوق ظهر البراق لظاهر الحديث ... انتهى، والمانع موجود، وهو أحاديث ربطه البراق بالحلقة كما يأتي.
"وثاب البناني" "بضم الموحدة وبالنون"، "قد حفظ الحديث، ففي روايته عند مسلم" عن أنس، "أنه أتى إلى بيت المقدس، فصلى به، ثم عرج إلى السماء، كما سيأتي إن شاء الله تعالى"، ومن قواعد المحدثين تقديم رواية من حفظ القصة وفصلها، فيرد إليه رواية من أجمل أو نقص فيها.
"وقد قيل: إن الحكمة في الإسراء به راكبًا مع القدرة على طي الارض له إشارة إلى أن ذلك وقع تأنيسا له بالعادة"، حيث أسرى به راكبًا مع إمكان إيصاله بلا ركوب، بل لو أراد حضوره بغير شيء كان "في مقام العادة"، حيث قطع تلك المسافات الكثيرة ذهابًا وإيابًا في أقل زمن؛ "لأن العادة جرت أن الملك إذا استدعى"، أي: طلب من يختص به بعث إليه

الصفحة 70