كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 8)
ذاهب إلى ربي، ثم قال جبريل: يا محمد إنما جيء بي إليك الليلة لأكون خادم دولتك، وحاجب حاشيتك، وحامل غاشيتك، وجيء بالمركوب إليك لإظهار كرامتك؛ لأن من عادة الملوك إذا استزاروا حبيبًا، أو استدعوا قريبًا وأرادوا ظهور كرامته واحترامه أرسلو أخص خدامهم وأعز قوامهم لنقل أقدامهم، فجئناك على رسم عادة الملوك وآداب السلوك، ومن اعتقد أنه يصل إليه بالخطا فقد وقع بالخطأ، ومن ظن أنه محجوب بالغطا فقد حرم العطا. انتهى.
والحكمة في كون البراق دابة دون البغل وفوق الحمار أبيض، ولم يكن
__________
وفي مسلم عن ابن عمر أنه -صلى الله عليه وسلم- تلا قول الله عن إبراهيم: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} [إبراهيم: 36] الآية، وعن عيسى: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُك} [المائدة: 118] ، ثم رفع يديه فقال: "اللهم أمتي"، وبكى، فقال الله: يا جبريل، اذهب إلى محمد، فقل له: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك "قال: "الآن طاب قلبي": لذ وزكا، "ها أنا ذاهب إلى ربي، ثم قال جبريل: يا محمد، إنما جيء بي إليك الليلة لأكون خادم دولتك وحاجب حاشيتك"، جانبك.
قال المصباح: حاشية الثوب: جانبه، والجمع الحواشي، وحاشية النسب كأنه مأخوذ منه، وهو الذي يكون على جانبه كالعم وابنه، "وحامل غاشيتك" بغين وشين معجمتين، اسم لشيء نفيس يحمل أمام الأكابر، ويمشي به بين يديهم عرفًا والغشاء في الأصل الغطاء وزنًا ومعنى، "وجيء بالمركوب إليك لإظهار كرامتك؛ لأن من عادة الملوك إذا استزاروا حبيبًا": طلبوا زيارته، "أو استدعوا قريبًا، وأرادوا ظهور كرامته واحترامه، أرسلوا أخص خدامهم، وأعز قوامهم لنقل أقدامهم"، أي: الذين أرسل إليهم، وجمعه حملًا على أن المراد بالحبيب الجنس الصادق بالواحد والمتعدد، "فجئناك على رسم عادة الملوك"، تأنيسًا بالعادة "وآداب السلوك"، وهو في اصطلاح الطائفة عبارة عن الترقي في مقامات القرب إلى حضرات الرب فعلًا وحالًا، وذلك بأن يتحد باطن الإنسان وظاهره فيما هو بصدده، مما يتكلفه من فنون المجاهدات، وما يقاسيه من مشاق المكابدات، بحيث لا يجد في نسفه حرجًا من ذلك، "ومن اعتقد أنه يصل إليه بالخطأ": بالضم، جمع خطوة، ما بين القدمين، "فقد وقع في الخطأ": بالفتح خلاف الصواب، "ومن ظن أنه محجوب بالغطاء" بغين معجمة، "فقد حرم العطاء انتهى".
"والحكمة في كون البراق"، الذي أعد له وتعلق علمه تعالى بأنه سيسري به عليه، "دابة دون البغل وفوق الحمار أبيض" أو فيه حذف، أي: الحكمة في المجيء له بالبراق