كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 8)
وقد تعقب الحافظ ابن حجر التأويل المذكور: بأن في صحيح ابن حبان من حديث ابن مسعود: أن جبريل حمله على البراق رديفًا له، وفي رواية الحارث في مسنده: أتي بالبراق فركبه خلف جبريل فسار بهما، فهذا صريح في ركوبه معه، والله أعلم. انتهى.
وقد وقع غير هذه الرواية بيان ما رآه في ليلة الإسراء، فمن ذلك:
ما وقع في حديث شداد بن أوس -عند البزار والطبراني، وصححه البيهقي في الدلائل- أنه أول ما أسري به مر بأرض ذات نخل، فقال له جبريل: انزل
__________
"وقد تعقب الحافظ ابن حجر"، فقال: يرد "التأويل المذكور؛ بأن في صحيح ابن حبان من حديث ابن مسعود، أن جبريل حمله على البراق رديفًا له"، أي: جاعلًا له خلفه.
"وفي رواية الحارث" بن أبي أسامة "في مسنده" عن ابن مسعود: "أتي بالبراق فركبه خلف جبريل"، وكأنه لسرعة السير، وكونه ليلًا، وكونها دابة غير مألوفة، فخفف عليه لئلا ينزعج، فلم يجعله أمامه، "فسار بهما، فهذا صريح في ركوبه معه، والله أعلم انتهى".
ومعلوم تقديم صريح المنقول على مقتضى العقول، "وقد وقع في غير هذه الرواية بيان ما رآه ليلة الإسراء"، قبل إتيانه بيبت المقدس، فلا يحسن إبقاء قول حذيفة استمرا على ظهر البراق حتى انتهيا إلى بيت المقدس على ظاهره، وكذا قوله في حديث مالك بن صعصعة: "ثم أتيت بدابة، فحملت عليها، فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا"، لا يليق بقاؤه على ظاهره؛ لأنه مجمل، فيقضي عليه المفصل الأحاديث المذكور فيها ما رآه في ذهابه وإيابه وفي السماوات، ولما كانت ما صيغة عموم تغيد استيعاب جميع ما رآه، أتى بقوله: "فمن ذلك" لإفادة أنه لم يستوعب ذلك.
"ما وقع في حديث شداد بن أوس عند البزار والطبراني، وصححه البيهقي في الدلائل؛ أنه أول ما"، أي: شيء رآه ليلة "أسري به، مر بأرض ذات نخل"، فهو أول المرئيات، أو سماه أول باعتبار قطع المسافة سريعًا، فلا يقال: بين مكة ويثرب مسافة طويلة، فلا يصدق الخبر على المبتدأ، وهو أول فعلى هذا فالخبر جملة قوله مر.. إلخ، بتقدير أنه واسمها ضمير الشأن، أو يجوز نصب أول على أنه ظرف متعلق بمر، فما مصدرية، واسم إن ضمير للنبي -صلى الله عليه وسلم- أي: أنه مر أول إسرائه بأرض، والأولية نسبية أي: إنه عد المرور أول إسرائه مع تأخره لقصر سيره فيه، وقرر شيخنا أن هذا أحسن.
"فقال له جبريل": أنزل فصل"، فنزل، "فصلى"، ثم ركب "فقال له: أتدري أين