كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 8)

فصل، فصلى، فقال له: أتدري أين صليت؟ صليت بيثرب، ثم مر بأرض بيضاء فقال: انزل فصل، فصلى، فقال له جبريل: صليت بمدين، ثم مر ببيت لحم فقال له جبريل: انزل فصل، فصلى، فقال صليت حيث ولد عيسى.
__________
صليت"؟، فقلت: الله أعلم، هكذا في حديث شداد نفسه قبل قوله: "صليت بيثرب"، صليت بطيبة، هكذا جمع بينهما في حديث شداد، فيثرب؛ لأنها إنما كانت مشهورة بهذا الاسم، فقصد إخباره بالمحل وطيبة، للإشارة إلى أنها تسمى به بعد حلوله فيها.
وفي حديث أنس عند النسائي: أتدري أين صليت؟، صليت بطيبة وإليها المهاجر "بفتح الجيم"، فجبريل تبرع بإخباره بذلك بعد سؤاله، هل يدري المحل صلى فيه أولًا قاصدًا إدخال السرور عليه، ولم يسأله النبي -صلى الله عليه وسلم- عنه على الظاهر المتبادر.
"ثم مر بأرض بيضاء، فقال: انزل فصل، فصلى"، ثم ركب، "فقال له جبريل": أتدري أين صليت؟، قال: "لا"، قال: "صليت بمدين" عند شجرة موسى، كما في خبر شداد، ومدين: "بفتح الميم، والتحتية، وإسكان المهملة بينهما" بلد ابالشام، تلقاء غزة، سميت باسم بانيها مدين بن إبراهيم ويحتمل أن المراد بشجرة موسى الشجرة التي كلمه الله عندها لما خرج من عند شعيب، بعد انقضاء الأجل، قاصدًا مصر، فنودي منها: {أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [القص: 30] ، أو المراد الشجرة التي أوى بعد سقي الغنم للمرآتين المذكورة في قوله: {فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ} [القصص: 24] ، فإنه كان ظل سمرة، قاله ابن عطية عن ابن عباس، وعلى هذا، ففي إطلاق مدين على بقعتها تجوز؛ لأنها بالطور، وليس هو مدين، لكنه لقربه منه سماه بذلك.
وفي حديث شداد تلو قوله: عند شجرة موسى، ثم ركب فانطلق البراق يهوي به، ثم قال له: انزل فصل، ففعل، ثم ركب، فقال: أتدري أين صليت؟، قال: "لا"، قال: صليت بطور سيناء، حيث كلم الله موسى، فصرح بأنه صلى في الموضعين عند الشجرة وعند الجبل، وكلمه الله عندهما معًا، لكن بين التكليمين لموسى مدة طويلة، فالتكليم الأول الذي نبئ فيه كان عمره أربعين سنة، كما في ابن عطية، والثاني كان بعد غرق فرعون واستقرار الأمر لموسى بعد الأمر بالصوم وانقضاء مدة الوعد المذكورة في قوله تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ} [الأعراف: 142] ، "ثم مر ببيت لحم: بلام مفتوحة، فمهملة ساكنة، قرية من الشام، بلقاء بيت المقدس، والمصنف اختصر الحديث، وإلا فلفظ حديث شداد عند من عزاه لهم عقب قوله: "حيث كلم الله موسى" الآية، ثم بلغ أرضًا بدت له قصور، "فقال له جبريل: انزل فصل، فصلى"، ثم ركب، وانطلق البراق يهوي به، "فقال" له جبريل: أتدري أين صليت؟،

الصفحة 83