كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 8)

وفي حديث أنس عند البيهقي في الدلائل: لما جاء جبريل بالبراق إليه -صلى الله عليه وسلم- فكأنها أصرت أذنيها، فقال لها جبريل: مه يا براق، فوالله ما ركبك مثله، فسار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا هو بعجوز على جنب الطريق، فقال: "ما هذه يا جبريل"؟ قال: سر يا محمد، فسار ما شار الله أن يسير، فإذا هو بشيخ يدعوه منحنيًا متنحيا عن الطريق يقول: هلم يا محمد، فقال له جبريل: سر، وأنه مر بجماعة فسلموا عليه فقالوا: السلام عليك يا أول، السلام عليك يا آخر، السلام عليك يا حاشر، فقال له جبريل: أردد عليهم السلام، فرد، الحديث، وفي آخره فقال له جبريل: أما العجوز التي رأيت جانب الطريق، فلم يبق من الدنيا إلا ما بقي من عمر تلك العجوز،
__________
قال: "لا"، قال: "صليت" ببيت لحم، "حيث ولد عيسى" بن مريم.
"وفي حديث أنس عند البيهقي في الدلائل: لما جاء جبريل بالبراق إليه -صلى الله عليه وسلم- استصعب عليه، "فكأنها" بسبب ذلك "أطرت أذنيها"، أي: جمعت بينهما، فهو مفرع على محذوف، وأصل الصر الجمع والشد، كما في النهاية، "فقال لها جبريل: معه"، أي: انكفي عن هذا واتركيه وانقادي له، "يا براق، فوالله ما ركبك مثله" "بكسر الكاف" ليناسب أصرت، وإن جاز فتحها، "فسار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا هو بعجوز على جنب الطريق": ناحيتها، سقط من البيهقي عن أنس، فقالت: يا محمد، انظرني أسألك، فلم يلتفت إليها، "فقال: "ما هذه يا جبريل:، قال: سر يا محمد"، أمره بالسير خشية أن يسمع سؤالها رقة عليها لسنها، لما جعل الله في قلبه من الرأفة والرحمة، "فسار ما شاء الله أن يسير، فإذا هو بشيخ يدعوه منحنيًا" من شدة الكبر "متنحيا"، مصروفًا، مباعدًا "عن الطريق، يقول: هلم يا محمد، فقال له جبريل: سر" يا محمد، لئلا يرق له لسنه، فيقبل عليه.
"و" في حديث أنس المذكور: "أنه بجماعة" في مسيره ذلك. ولفظه: وبينما هو يسير، إذ لقيه خلق من خلق الله تعالى، "فسلموا عليه، فقالوا: السلام عليك يا أول" من أسمائه -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه أول الأنبياء خلقًا، وأول من قال: بلى يوم {أَلَسْتُ بِرَبِّكُم} ، والأول عودًا، فهو أول من تنشق عنه الأرض، وأول من يدخل الجنة، وأول شافع، وأول مشفع، "السلام عليك يا آخر"؛ لأنه آخر الأنبياء بعثًا، "السلام عليك يا حاشر"؛ لأنه يحشر الناس على قدميه، أي: يقدمهم وهم خلفه، أو يسبقهم، فيحشر قبلهم، والثلاثة من أسمائه، كما مر في مقصدها، "فقال: له جبريل: أردد عليهم السلام، فرد ... الحديث""، أسقط منه، ثم لقيه الثانية، فقال له مثل ذلك، ولقيه الثالثة، فقال له مثل ذلك.
"وفي آخره، فقال له جبريل: أما العجوز التي رأيت جانب الطريق، فلم يبق من الدنيا

الصفحة 84