كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 8)

والذي دعاك إبليس، والعجوز الدنيا، أما لو أجبتها، لاختارت أمتك الدنيا على الآخرة، وأما الذين سلموا عليك فإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، قال الحافظ عماد الدين بن كثير: في ألفاظه نكارة وغرابة.
وفي رواية: أنه -صلى الله عليه وسلم- مر بموسى عليه السلام، وهو يصلي في قبره، قال أنس: ذكر كلمة فقال: أشهد أنك رسول الله، ولا مانع أن الأنبياء عليهم السلام يصلون في
__________
إلا ما بقي من عمر تلك العجوز، والذي دعاك إبليس"، أراد أن تميل إليه، كما في نفس الحديث، "والعجوزالدنيا"، أي: أنها صورت لها بصورة عجوز إشارة إلى قرب انقضائها، وإلا فهي نقيض الآخر، لا صورة لها يرى فيها.
"أما" "بالتخفيف" "لو أجبتها، لاختارت أمتك الدنيا على الآخرة"، تجعلها نصب أعينهم، وعبادتهم دون الله، فلا يرد الله، فلا يرد أن كثيرًا من أمته، بل أكثرهم يبتغون الدنيا، ويتهالكون عليها؛ لأنهم وإن فعلوا ذلك، لكن لأغراض قامت عندهم مع اعتقاد كمال قدرة الله ووحدانيته، فلا يصدق عليهم اتباعهم للدنيا، "وأما الذين سلموا عليك، فإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام"، سلموا عليه ثلاثًا، زيادة في المحبة.
"قال الحافظ عماد الدين بن كثير في ألفاظه"، أي: هذا الحديث: "نكارة وغرابة"، لمخالفته لما في حديث أبي سعيد: أن جبريل أجابه بقوله: لو أجبتها ... إلخ، لما تمثلت بامرأة حاسرة عن ذراعيها، عليها من كل زينة، خلقها الله، وأما حين تمثلها بعجوز -فأجابه بأنه لم يبق من الدنيا ... إلخ، ومن جهة تفرده بذكر لقائه لهؤلاء الثلاثة في ذهابه إلى بيت المقدس قبل دخوله.
"وفي رواية" عند أبي يعلى الموصلى عن أنس، بلفظ: "أنه -صلى الله عليه وسلم- مر بموسى عليه السلام، وهو يصلي في قبره".
"قال أنس" روايه، "ذكر كلمة، فقال: أشهد أنك رسول الله"، بيان لكملة، ويحتمل أن الجملة غيرها، وقوله: أشهد ... إلخ، ناشئ عنها، والحديث في مسلم والنسائي وغيرهما عن أنس؛ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مررت على موسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر، وهو قائم يصلي في قبره".
وفي حديث ابن مسعود عند الحسن بن عرفة، والطبراني وأبي نعيم وغيرهم، رجل طوال سبط آدم، كأنه من رجال شنوأة، وهو يقول برفع صوته: أكرمته وفضلته، فدفعنا إليه، فسلمنا عليه، فرد السلام، وقال: من هذا معك يا جبريل؟، قال: هذا أحمد، قال: مرحبًا بالنبي الأمي العربي، الذي بلغ رسالة ربه، ونصح لأمته، ودعا له بالبركة، وقال: سل لأمتك اليسر، ثم أبعد

الصفحة 85