كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 8)

قبورهم؛ لأنهم: {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون} [ألاعراف: 169] ، فهم يتعبدون بما يجدون من دواعي أنفسهم، لا بما يلزمون به، كما يلهم أهل الجنة الذكر، وسيأتي الإشارة إلى ذلك في حجة الوداع إن شاء الله تعالى.
وفي حديث أبي هريرة عند الطبراني والبزار: أنه عليه الصلاة والسلام مر علي قوم يزرعون ويحصدون في يوم، كلما حصدوا عاد كما كان، فقال لجبريل: ما هذا؟ قال: هؤلاء المجاهدون، في سبيل الله تضاعف لهم الحسنة إلى سبعمائة ضعف، وما أنفقوا من شيء فهو يخلفه، وهو خير الرازقين، ثم أتى على قوم ترضخ
__________
عنا، فقلت: "ما هذا يا جبريل": قال: هذا موسى بن عمران، قلت: "ومن يعاتب"؟ قال: يعاتب ربه، قلت: "أيرفع صوته على ربه"؟، قال: إن الله قد عرف له حدته، فذكر الحديث، وفيه: أنه لقي إبراهيم في طريقه، ثم دخل الأقصى، وصلى بالأنبياء.
قال النعماني: وفيه غرابة، "وبلا مانع أن الأنبياء عليهم السلام يصلون في قبورهم" الصلاة الشرعية، التي كانوا يصلونها في الحياة الدنيا؛ لأنهم إلى الآن في الدنيا؛ لأنهم إلى الآن في الدنيا، وهي دار تعبد، وقيل: المراد الصلاة اللغوية، أي: يدعون الله ويذكورنه ويثنون عليه، وجزم القرطبي الأول؛ لأنه ظاهر الحديث.
"لأنهم {أَْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون} [الأعراف: 169] حياة حقيقة، والصلاة تستدعي جسدًا حيًا، سواء قلنا: إنها الشرعية، أو اللغوية، ولا يلزم من كونها حقيقة أن تكون الأبدان معها، كما كانت في الدنيا من الاحتياج إلى الطعام والشراب ونحوهما من صفات الأجسام التي نشاهدها؛ لأن ذلك عادي لا عقلي، وهذه الملائكة أحياء ولا يحتاجون إلى ذلك.
"فهم يتعبدون بما يجدون من دواعي أنفسهم"، فتعبدهم بذلك لذة، أي: لذة، "لا بما"، أي: شيء، "يلزمون به"؛ لأنه لا تكليف بعد الموت، "كما يلهم أهل الجنة الذكر"، ويجدون اللذة القوية، ولا تكليف في الجنة، "وسيأتي الإشارة" القليلة "إلى ذلك في حجة الوداع إن شاء الله تعالى"، وسبق في الخصائص بأبسط مما في الموضعين.
"وفي حديث أبي هريرة عند الطبراني، والبزار"، والبيهقي، وابن جرير، وأبي يعلى؛ "أنه عليه الصلاة والسلام مر على قوم يزرعون ويحصدون" بكسر الصاد وضمها "في يوم، كلما حصدوا عاد كما كان، فقال لجبريل: "ما هذا"؟، قال: هؤلاء المجاهدون، في سبيل الله تضاعف لهم الحسنة إلى سبعمائة ضعف، وما أنفقوا من شيء، فهو يخلفه"، إخبار عن حالهم، ولم يقصد القرآن، فلا بد أن التلاوة: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ"، وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39] "، والمراد أن ما يتنعمون به من فواقكه وغيرها، إذا نفذ في ذلك الوقت،

الصفحة 86