كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 8)
رؤسهم بالصخر، كلما رضخت عادت كما كانت، ولا يفتر عنهم من ذلك شيء، فقال: "ما هذا يا جبريل"؟ قال: هؤلاء الذين تتثاقل رؤسهم عن الصلاة المكتوبة، ثم أتى على قوم على أقبالهم رقاع، وعلى أدبارهم رقاع، يسرحون كما تسرح الأنعام، يأكلون الضريع والزقوم ورضف جهنم، قال: "ما هؤلاء يا جبريل"؟ قال: هؤلاء الذين لا يؤدون زكاة أموالهم، وما ظلمهم الله وما الله بظلام للعبيد، ثم أتى على قوم بين أيديهم لحم نضيج في قدر، ولحم نيئ في قدر خبيث، فجعلوا يأكلون من
__________
جيء لهم بغيره على التوالي، وبذلك يتميزون عن غيرهم من أهل الجنة، أو أنه إخبار بأنه ما أنفقه المجاهدون يعوضون به في الدنيا سريعًا، ولا يؤخر ثوابهم للآخرة.
"ثم أتى على قوم ترضخ"، أي تشدخ، كما في التقريب، وفي المصباح: تكسر "رؤوسهم بالصخر، كلما رضخت عادت كما كانت، ولا يفتر عنهم" بضم أوله وفتح الفاء وشد الفوقية، أي: لا يخفف عنهم "من ذلك" الرضخ "شيء"، أو هو بفتح الياء وضم الفوقية مخففًا، أي: لا يرتفع عنهم ذلك، ولا يسهل، "فقال: "ما هذا يا جبريل"؟، قال: هؤلاء الذين تتثاقل رؤوسهم عن الصلاة المكتوبة"، بالتساهل فيها، إما بتركها أصلًا، أو بإخراجها عن وقتها، كلا أو بعضها، "ثم أتى على قوم أقبالهم رقاع": جمع قبل، كأعناق وعنق، وهو من كل شيء خلاف دبره، قيل: سمي قبلًا؛ لأن صاحبه يقابل به غيره، "وعلى أدبارهم رقاع، يسرحون كما تسرح الأنعام" الذي في رواية البزار، والبيهقي وغيرهما، كما تسرح الإبل والغنم، "يأكلون الضريع": الشوك اليابس، أو نبات أحمر، منتن الريح، يرمي به البحر، "والزقوم": ثمر، شجر كريه الطعم، قيل: لا يعرف في شجر الدنيا، وإنما هي في النار، يكره أهل النار على أكلها، كما قال تعالى: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ، طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} [الصافات: 64] ، وفي القاموس: الزقوم كتنور الزبد بالتمر، وشجرة بجنهم، ونبات بالبادية، له زهر ياسميني الشكل، وطعام أهل النار.
وأخرج ابن جرير عن قتادة، قال: قال أبو جهل: زعم صاحبكم هذا أن في النار شجرة، والنار تأكل الشجر، وإنا والله ما نعلم الزقوم إلا التمر والزبد، فأنزل الله: حين عجبوا أن يكون في النار شجرة: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ} . "ورضف جهنم": بفتح الراء وسكون الضاد المعجمة بعدها فاء الحجارة المحماة، واحدها رضفة بسكون الضاد وتفتح: "قال: "ما هؤلاء يا جبريل"؟، قال: هؤلاء الذين لا يؤدون زكاة أموالهم، وما ظلمهم الله" شيئًا، "وما الله بظلام"، أي: بذي ظلم "للعبيد"، فيعذبهم بلا ذنب.
"ثم أتى على قوم بين أيديهم لحم نضيج": مستو "في قدر، ولحم نيئ"، بالهمز،