كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 8)
النيئ الخبيث، ويدعون النضيج، فقال: "ما هؤلاء يا جبريل"؟ قال جبريل: هذا الرجل من أمتك تكون عنده المرأة الحلال الطيب، فيأتي امرأة خبيثة فيبيت عندها حتى يصبح، والمرأة تقوم من عند زوجها حلالًا طيبا، فتأتي رجلًا خبيثًا فتبيت عنده حتى تصبح، ثم أتى على رجل قد جمع حزمة عظيمة لا يستطيع حملها، وهو يزيد عليها، قال: "ما هذا يا جبريل"؟ قال: هذا الرجل من أمتك تكون عنده أمانات الناس لا يقدر على أدائها، وهو يريد أن يحمل عليها، ثم أتى على قوم تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من حديد كلما قرضت عادت كما كانت، لا يفتر عنهم من ذلك شيء، قال: "ما هذا يا جبريل"؟ قال: هؤلاء خطباء الفتنة، قال: ثم أتى على
__________
وزان حمل كل شيء شأنه أن يعالج بطبخ، أو شيء لم يطبخ، فيقال: لحم نيئ والإبدال والإدغام عامي "في قدر خبيث" بالرفع نعت لحم، "فجعلوا يأكلون من النيئ الخبيث، ويدعون النضيج، فقال: ما هؤلاء يا جبريل؟، قال جبريل: هذا الرجل من أمتك، تكون عنده المرأة الحلال الطيب، فيأتي امرأة خبيثة، فيبيت عندها حتى يصبح"، ولعله قيد بأمته؛ لأن لغيرهم عذابًا أعظم من هذا، أو؛ لأن الغرض إعلامه بما أعد لمرتكبي ذلك لينكفوا عنه، "والمرأة تقم من عند زوجها حلالًا طيبًا، فتأتي رجلًا خبيثًا عنده، حتى تصبح"، ولعل التقييد بذلك؛ لأنه الأغلب، والمراد الزنا، وإن لم يكن بيات حتى الصباح، ويؤيده أن الحافظ اختصر الحديث بقوله: قال: هؤلاء الزناة.
"ثم أتى على رجل قد جمع حزمة": بضم فسكون ما حزم من أي شيء، وفي فتح الباري: حزمة حطب، "عظيمة لا يستطيع حملها، وهو يزيد عليها" أي: بضم إليها غيرها، "قال: "ما هذا يا جبريل"؟، قال: هذا الرجل من أمتك تكون عنده"، أي: في جهته، "أمانات الناس، لا يقدر على أدئها"، أي: الخروج من عهدتها، فدخل فيها ما تحت يده كوديعة، وما وكل على بيعه، وما تحت يده من مال يتيم ونحوه، وما فوض إليها كإمامة، وخطابة وغيرهما من المناصب الشرعية، مما لا يوصف بكونه تحت يده حسا، "وهو يريد أن يحمل"، أي: يزيد "عليها" ما يحتاج إلى حمله معها، مع عدم قدرته على حمل الأولى.
"ثم أتى على قوم تقرض": تقطع "ألسنتهم وشفاههم": جمع شفة مخففة "بمقاريض": حمع مقراض بكسر الميم، "من حديد، كلمات قرضت عادت كما كانت، لا يفتر عنهم من ذلك شيء، قال: "ما هذا يا جبريل"؟:، قال: هؤلاء خطباء الفتنة"، أي: الذين يقولون ما لا يفعلون، فيفتنون الناس بذلك لعدم مطابقة قولهم لفعلهم، وأسقط من الرواية خطباء أمتك، يقولون ما لا يفعلون، والمراد بالخطباء كل من تصدى لتعليم العامة ما طلب منهم، ونهيهم عما نهوا،