كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 8)

جحر صغير يخرج منه ثور عظيم، فجعل الثور يريد أن يرجع من حيث خرج فلا يستطيع، فقال: "ما هذا يا جبريل"؟ قال: هذا الرجل يتكلم بالكلمة العظيمة ثم يندم عليها فلا يستطيع أن يردها. ثم أتى على واد فوجد فيه ريحًا طيبة باردة، كريح المسك، وسمع صوتًا، فقال: "ما هذا يا جبريل"؟ قال: هذا صوت الجنة، تقول: رب آتني بما وعدتني، فقد كثرت غرفي واستبرقي وحريري وسندسي وعبقري ولؤلؤي، ومرجاني وفضتي وذهبي، وأكوابي وصحافي وأباريقي، ومراكبي، وعسلي
__________
فدخل العالم الواعظ وغيرهما.
"قال: ثم أتى على جحر": بضم الجيم وسكون المهملة، ثقب مستدير، "صغير يخرج منه ثور عظيم": بمثلثة، ذكر البقر، "فجعل الثور يريد أن يرجع من حيث خرج، لا يستطيع، فقال: "ما هذا يا جبريل"؟، قال: هذا الرجل يتكلم بالكلمة العظيمة"، من سخط الله، "ثم يندم عليها، فلا يستطيع أن يردها" لعدم إمكانه.
"ثم أتى على واد، فودد فيه ريحًا طيبة باردة، كريح المسك، وسمع صوتًا، فقال: "ما هذا يا جبريل"؟ قال: هذا صوت الجنة، تقول" بلاسان القال على الظاهر المتبادر، فلا مانع من أن يخلق لها إدراك ونطق، "رب آتني" بالمد، "بما وعدتني"، بزيادة الباء في المفعول، كقوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ} [البقرة: 195] ؛ لأن آتى يتعدى بنفسه، كقوله: {وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْك} [البقرة: 251] ، "فقد كثرت غرفي": بالضم، جمع غرفة، وهي العلية، "واستبرقي" ثخين الديباج، وفي البيضاوي: ثخين الحرير، "وحريري" عطف عام على خاص، "وسندسي" رقيق الديباج، "وعبقري"، قيل: هو الديباج، أو البسط الموشية، أو الطنافس الثخان، وأصله فيما قيل: إن عبقر قرية يسكنها الجن، فيما يزعمون، فكلما رأوا شيئًا فائقًا غريبًا، مما يصعب علمه ويدق، أو شيئًا عظيما في نفسه، نسبوه إليها، فقالوا: عبقري.
وفي القاموس: العبقري الكامل في كل شيء، والسيد الذي ليس فقوه شيء، وعليه فالمراد هنا، وكثرت نفائسي الكاملة من ثياب وغيرها، ويكون من ذكر العام بعد الخاص، "ولؤلؤي" بهمزتين، وبحذفهما، وبإثبات الأولى دون الثانية، "ومرجاني"، قال الأزهري وغيره: هو صغار اللؤلؤ.
قوال الطرسوسي: هو عروق حمر، تطلع من البحر كأصابع الكف، قال: وهكذا شاهدناه بمغارب الأرض، "وفضتي، وذهبي وأكوابي": جمع كوب إناء لا عروة له ولا خرطوم، "وصحافي": جمع صحفة إناء كالقصعة، "وأباريقي" جمع أبريق إناء له عروة وخرطوم،

الصفحة 89