كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 8)
"يا جبريل: ما هذا"؟ قال جبريل: هؤلاء الذين يتركون الحلال ويأكلون الحرام، وفيه: أنه مر بقوم بطونهم أمثال البيوت كلما نهض أحدهم خر، وأن جبريل قال له: هم أكلة الربا، وأنه مر بقوم مشارفهم كالإبل يلتقمون حمرًا، فيخرج من أسافلهم، وأن
__________
"وأخرى عليها لحم نتن، عليها ناس يأكلون"منها، "قال: يا جبريل ما هذا؟ قال جبريل: هؤلاء الذين يتركون الحلال ويأكلون الحرام"، وفي لفظ عند البيهقي أيضًا وغيره: فإذا هو بأقوام على مائدة لحم عليها شوى كأحسن ما رؤي من اللحم، وإذا حوله جيف، فجعلوا يقبلون على الجيف، يأكلون منها، ويدعون اللحم، فقال: "من هؤلاء يا جبريل"؟، قال: هؤلاء الزناة، يحلون ما حرم الله عليهم، وتركوا ما أحل الله لهم.
"وفيه"، أي: حديث أبي سعيد المذكور؛ "أنه مر بقوم بطونهم أمثال البيوت، كلما نهض أحدهم خر": سقط من قيام، "وأن جبريل قال له" جوابًا لقوله: "يا جبريل من هؤلاء"؟، قال: "هم أكلة الربا"، أي: الذين يتناولون من الأموال ما أخذوه على وجه الربا، وهو خاص بالمطعومات والنقود، إذا أخذت بالعقد المسمى بعقد الربا، بأن اشتمل أحد العوضين يه على زيادة، أو تأخير في البدلين، أو أحدهما، وخرج بذلك المأخوذ بعقود فاسدة، كفقد رؤية، أو شرط فاسد مع انتفاء الربا عنها، فلا يكون لفاعها ذلك الوصف، وإن أثم، ولم يملك ما أخذه.
وقد أفاد المصنف أنه اختصر الحديث، وهو كذلك، ولفظه في هذه الجملة، ثم مضى هنيهة، فإذا هو بقوم بطونهم مثال البيوت، فيه الحيات ترى من خارج بطونهم، كلما نهض أحدهم خر، يقول: اللهم لا تقم الساعة، وهم على سابلة آل فرعون، فتجيء السابلة فتطؤهم، فسمعهم يضجون إلى الله تعالى، فقال: "يا جبريل من هؤلاء"؟، قال: هؤلاء من أمتك، الذين يأكلون الربا، لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس، والسابلة أبناء السبيل المختلفة، وجعلوا بطريق آل فرعون يمرون عليهم غدوا وعشيًا؛ لأن آل فرعون هم أشد الناس عذابًا، يطؤنهم فضلًا عن غيرهم من الكفار، وهم لا يستطيعون القيام، ومعنى ذلك؛ أن الله وقف أمرهم بين أن ينتهوا، فيكون جزاء لهم، وبين أن يعودوا ويصروا، فيدخلهم النار واستشكل بأن هذه الحالة إن كانت عبارة عن حالهم في الآخرة، فآل فرعون قد دخلوا أشد العذاب، وإنما يعرضون على النار غدوا وعشيًا في البرزخ، وإن كانت هذه الحال التي رآهم عليها، فأي: بطون لهم، وقد صاروا عظامًا ورفاتا، ومزقوا كل ممزق، وأجيب بأنه إنما رآهم في البرزخ؛ لأنه حدث عما رأى، وهذه الحال هي حال أرواحهم بعد الموت، وفيه تصحيح لمن قال: الأرواح أجسادًا لطيفة، قابلة للنعيم والعذاب، فخلق الله تعالى في تلك الأرواح من الألم ما يجده من انفتخ بطنه حتى وطئ بالأقدام، ولا يستطيع معه قيامًا، ولا دليل فيه على أنهم أشد عذابًا من آل فرعون، بل