كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 8)
جبريل قاله له: هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا، وأنه مر بنساء يعلقن بثديهن وأنهن الزواني، وأنه مر بقوم يقطع من جنوبهم اللحم فيطعمون، وأنهم الغمازون اللمازون.
__________
فيه دليل على أن آل فرعون وغيرهم من الكفار الذين لا يأكلون الربا يطؤونهم ما داموا في البرزخ إلى أن يقوموا يوم القيامة، كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس، ثم ينادي منادي الله: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} ، ذكره السهيلي؛ "وأنه مر بقوم مشافرهم": بفتح الميم، وخفة المعجمة، فألف ففاء مكسورة فراء، أي: شفاههم، "كالإبل"، لفظ الرواية: كمشافر الإبل، وعبر عن شفاههم بذلك مجازًا، إذ يقال: شفة الإنسان، ومشفر البعير: وجحفل الفرس، "يلتقمون جمرًا، فيخرج من أسافلهم".
وفي رواية: يجعل في افواههم صخر من جهنم، ثم يخرج من أسافلهم، فسمعهم يضجون إلى الله تعالى؛ "وأن جبريل قال له" جوابًا لقوله: "يا جبريل من هؤلاء"؟، قال: "هؤلاء: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا، إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10] ، كما في بقية جواب جبريل.
"وأنه مر بنساء يعلقن بثديهن": بضم المثلثة، ويقال بكسرها وكسر المهملة، جمع ثدي يذكر ويؤنث، فيقال: هو الثدي، وهي الثدي، وهو معروف، "وأنهن الزواني"، يجوز أنه رأى أرواحهن، وقد خلق فيها من الآلام ما يجده من هذه حاله، وأن يكون مثلث له حالهن في الآخرة، قاله السهيلي.
ولفظ الحديث: ثم مضى هنيهة، فإذا هو بنساء معلقات بثديهن، ونساء منكسات بأرجلهن، فسمعهن يضججن إلى الله، فقال: "من هؤلاء يا جبريل"؟، قال: هؤلاء اللاتي يزين ويقتلن أولادهن.
"وأنه مر بقوم يقطع من جنوبهم اللحم، فيطعمون، وأنهم الغمازون"، كذا في نسخ بغين معجمة، أي: المشيرون بأعينهم أو حواجبهم لمعايب الناس، ولما فيه ضررهم، لكن لفظ الرواية: الهمازون، بالهاء بدل الغين، وهم الذين يغتابون الناس بلا مواجهة، "اللمازون": العيابون، كما في الشامي، أي: الذين يكسرون من أعراض الناس.
قال البيضاوي: اللمز: الكسر كالهمز، شاعا في كسر أعراض الناس، والطعن فيهم.
ولفظ الحديث: ثم مضى هنيهة، فإذا هو بأقوام يقطع من جنوبهم اللحم، فيلقمون، فيقال له: كل كما كنت تأكل لحم أخيك، فقال: "يا جبريل من هؤلاء"؟، قال: هؤلاء الهمازون، من أمتك اللمازون.