كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 8)

"خرجت، فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن، فقال جبريل: اخترت الفطرة".
أي اخترت اللبن الذي عليه بنيت الخلقة، وبه نبت اللحم ونشز العظم،
__________
وعند البيهقي، والطبراني والبزار من حديث شداد: ودخل المدينة، من بابها اليمني، ودخل المسجد من باب يميل فيه الشمس والقمر.
وروى الواسطي في فضائل بيت المقدس عن الوليد بن مسلم، قال: حدثني بعض أشياخنا، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى عن يمين المسجد، وعن يساره نورين ساطعين، فقال: "يا جبريل ما هذان النوران"؟، قال: أما الذي عن يمينك فإن محراب أخيك داود، وأما الذي عن يسارك فعلى قبر أختك مريم.
"قال عليه السلام" في رواية مسلم، عن ثابت، عن أنس: "ثم دخلت المسجد، فصليت فيه ركعتين"، غير الصلاة التي صلاها بالأنبياء: كما صرح به في حديث ابن مسعود الآتي، ومن ثم قيل: يحتمل أنها تحتية المسجد وأنها غيرها، "ثم خرجت" بعد صلاته بالأنبياء، الواقعة بعد هذين الركعتين، كما صرح به حديث أبي هريرة، ثم حانت الصلاة، فأممتهم، رواه مسلم.
وعند ابن إسحاق، عن أبي سعيد، فصلى بهم، أي: الأنبياء ثم أتي بإناء فيه لبن ... إلخ، فعرض الأواني إنما كان بعد صلاته بالأنبياء، ففي هذا السياق اختصار، فليس المراد أنه خرج من المسجد بعد صلاة الركعتين، بل بعد صلاته بالأنبياء.
"فجاءني جبيل عليه اللام بإناء من خمر، وإناء من لبن"، فلم يقع في رواية مسلم هذه، وإناء من عسل، خلاف ما يوجد في نسخ سقيمة من المصنف، وإناء من عسل بعد قوله: من خمر، نعم هو ثابت في غير ما رواية، فلس النزاع في أنه أتي بإناء فيه عسل، إنما هو في العز.
ولمسلم ما ليس فيه في روايته من طريق ثابت عن أنس مرفوعًا بلا وسطة، "فاخترت"، وفي رواية، فأخذت، "اللبن، فقال جبيل: اخترت" وفي رواية: أخذت "الفطرة" "بكسر الفاء".
قال ابن دحية: تطلق الفطرة على الإسلام، كخبر كل مولود يولد على الفطرة، وتطلق على أصل الخلقة، كقوله تعالى: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30] ، و {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [يوسف: 101] ، أي: مبدئ خلقهما، وقول جبريل: اخترت الفطرة، "أي: اخترت اللبن الذي عليه"، أي: بسببه، "بنيت الخلقة"، وبين بناءها عليه بقوله: "وبه نبت اللحم ونشز": "بزاي منقوطة" أي: ارتفع "العظم" وغلظ، "واخترته؛ لأنه الحلال الدائم"، هو "في دين

الصفحة 96