كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 8)
واخترته؛ لأنه الحلال الدائم في دين الإسلام بخلاف الخمر فحرام فيما يستقر عليه الأمر.
وقال النووي: المراد بالفطرة هنا، في قول جبريل: أخذت الفطرة الإسلام والاستقامة، قال: ومعناه -والله أعلم-: اخترت علامة الإسلام والاستقامة، قال: وجعل اللبن علامة لكونه سهلًا طيبًا طارهًا سائغًا للشاربين، سليم العاقبة، وأما الخمر فإنها أم الخبائث، وجالبة الأنواع الشر في الحال والمآل. انتهى.
__________
الإسلام" فاستتر الضمير الفاعل، وحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، أي الدائم حله كـ {عِيشَةٍ رَاضِيَة} [الحاقة: 21] ، "بخلاف الخمر، فحرام فيما يسقر عليها الأمر".
وقد روى أبو يعلى، والبزار من حديث أبي هريرة: أتي بآنية ثلاثة مغطاة أفواهها، فأتي بإناء منها فيه ماء، فشرب منه قليلًا، وفي لفظ: فلم يشرب منه شيئًا، ثم دفع إليه إناء آخر فيه لبن، فشرب منه حتى روي منه، ثم دفع إليه إناء آخر فيه خمر، فقيل له: اشرب، قال: "لا أريده قد رويت"، فقال جبريل: أما إنها ستحرم على أمتك".
قال ابن دحية أيضًا: وقد تكون الإشارة بتقديم اللبن إلى أنه شعار العلم في التعبير، كما ورد أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "رأيت كأني أتيت بقدح من لبن، فشربت حتى أرى الري يخرج من أظفاري، ثم ناولت فضلي عمر بن الخطاب، قالوا: يا رسول الله ما أولته، قال: العلم" والإسراء، وإن كان يقظة، إلا أنه ربما وقعت في اليقظة إشارة إلى حكم الفأل، فيعبر كما يعبر في المنام، ولذا كان -صلى الله عليه وسلم- يحب الفأل الحسن، فكأنه لما لمئ قلبه إيمانا وحكمة، أردف ذلك بالعلم مطلقًا ويجعل الله تعالى شرب ذلك اللبن سببًا في ترادف العلوم، وإشحان القلب النبوي بأنوارها.
"وقال النووي: المراد بالفطرة هنا في قول جبريل: أخذت الفطرة الإسلام والاستقامة"، وبه فسرت الآية، أي: بملة الإسلام، فإنهم لو خلوا وما خلقوا عليه، لأدى بهم إليها، وفسرت أيضًا بخلقته التي خلقهم عليها، وهي قبولهم للحق، وتمكنهم من إدراكه، وبالعهد المأخوذ من آدم وذريته.
"قال: ومعناه، والله أعلم، اخترت علامة الإسلام، و"علامة "الاستقامة" بالجر، ففيه حذف مضاف، إذ شرب اللبن ليس هو هما، "قال: وجعل اللبن علامة لكونه سهلًا طيبًا" لذيذًا، "طاهرا" لا يشوبه شيء من الفرث والدم من لون، أو طعم أو ريح، وهو بينهما "سائغا للشاربين" سهل المرور في حلقهم، لا يغص به، "سليم العاقبة" في الحالة والمآل، وهذا كله تعليل لجعله علامة الإسلام والاستقامة.
"أما الخمر، فإنها أم الخبائث" كما ورد مرفوعًا عند القضاعي، بلفظ الخمر أم