كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 8)

وقال القرطبي: يحتمل أن يكون سبب تسمية اللبن فطرة لكون أول شيء يدخل جوف المولود، ويشق أمعاءه، والسر في ميل النبي -صلى الله عليه وسلم- إليه دون غيره لكونه مألوفًا له أولًا، انتهى.
وإذا كانت الخمرة مباحة؛ لأنها إنما حرمت بالمدينة والإسراء كان بمكة، فما وجد تعيينه عليه السلام لأحد المباحين، وما وجه عد ذلك صوابًا وعد الآخر خطأ، وهما سواء في الإباحة؟
فيحتمل أن يكون توقاها تورعًا وتعريضًا بأنها ستحرم، وأنه لما وافق الصواب في علم الله تعالى قال له جبريل: أصبت الفطرة، أو أصبت أصاب الله
__________
الخبائث، أي: أصلها الذي تنشأ عنه لحملها الشارب على مجاوزة الحدود، "وجالبة لأنواع الشر في الحال والمآل. انتهى".
وقد قال -صلى الله عليه وسلم: "الخمر أم الفواحش، وأكبر الكبائر، من شربها ترك الصلاة، ووقع على أمه وخالته وعمته"، رواه الطبراني.
"وقال القرطبي" شارح مسلم في المفهم: "ويحتمل أن يكون سبب تسمية اللبن فطرة، لكونه أول شيء يدخل جوف المولود، ويشق أمعاءه، والسر"، أي: السبب "في ميل النبي -صلى الله عليه وسلم- إليه دون غيره لكونه مألوفًا أولًا"، ولكونه لا ينشأ عن جنسه مفسدة، "انتهى" كلام القرطبي بما زدته.
وحقيقة السر ما يكتم، وهو خلاف الإعلان، فإطلاقه على السبب مجاز مرسل من تسمية الجزئي باسم الكلي، "وإذا كانت الخمر مباحة؛ لأنها إنما حرمت بالمدينة، والإسراء كان بمكة"، وجواب إذا الشرطية قوله: "فما وجه تعيينه عليها سلام لأحد المباحين"، باختياره الشرب منه، "وما وجه عد ذلك صوابًا، وعد الآخر خطأ، وهما سواء في الإباحة"، وفرع على ذلك بجواب شرط هو، وإذا أردت بيان الوجه، "فيحتمل أن يكون توقاها تورعًا" لما في تنافي تناوله الغائلة المتوقعة، وإن كان مباحًا، ولا خلاف أن مثل هذا الورع يثاب عليه، قال ابن المنير، "وتعريضًا بأنها ستحرم"، ولعل سبب التعريض، انه أوحى إليه بذلك، ولو بالإلهام، فتركها تنبيهًا على أن حلها لا يستمر، "وأنه لما وافق الصواب في علم الله تعالى، قال له جبريل: أصبت الفطرة، أو أصبت، أصاب الله بك، كما رويا" الأول في الصحيح، والثاني في غيره.
قال ابن المنير: فدل قول جبريل ذلك على أن اختيار الخمر خطأ عصم منه -صلى الله عليه وسلم-، وأن

الصفحة 98