كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 8)
بك، كما رويا، وإن قلنا: أنها كانت من خمر الجنة، فيكون سب تجنبها صورتها ومضاهاتها الخمر المحرمة، أي في علم الله تعالى، وذلك أبلغ في الورع.
ويستفاد منه: أن من اتخذ من ماء الرمان أو غيره، ولو ماء قراحًا، وضاهى به الخمر في الصورة وهيأه في الهيآت التي يتعاطاها أهل السماعات الشهوات من الاجتماعات فقد أتى منكرًا، وإن كان لا يحد عليه، قاله ابن المنير.
__________
المسألة اجتهادية؛ لأن الخمر لم تكن حرمت، قال: وفيه دليل على المذهب المشهور لمالك والشافعي، وغيرهما أن المسائل الاجتهادية لله فيها حكم معين، من أصابه فقد أصاب الحق، ومن أخطأه الحق، خلافًا للقول؛ بأن حكم الله على كل مجتهد ما غلب على ظنه انتهى.
وفيه إفادة وجه، كون اختيار الخمر خطأ، وهو أن حكم الله فيها تحريمها بعد أبدًا، وإن كانت مباحة حينئذ لأمور خفيت علينا، ثم الخمر المحضرة، أنها من خمر الدنيا، وأنها من خمر الجنة التي لا يصدعون عنهان ولا ينزفون، فإذا قلنا: من خمر الدنيا، فوجه تجنبها ما تقدم.
"وإن قلنا: إنها"، أي الخمر المحضرة له، "كانت من خمر الجنة، فيكون سبب تجنبها، صورتها، ومضاهاتها" مشابهتها "الخمر المحرمة، "أي: في علم الله تعالى، وذلك أبلغ في الورع"، فإن قلت: فيلزم اجتنابها في الجنة تورعًا من صورتها، قلت: لا يلوم؛ لأن الجنة ليست دار تكاليف، قاله ابن المنير.
"ويستفاد منه؛ أن من اتخذ من ماء الرمان أو غيره" شيئًا يستعمله على الصفة المعتادة بين شربة الخمر، "ولو ماء قراحًا": صرفا، "وضاهى به الخمر في الصورة وهيأه في الهيئات التي يتعاطاها أهل السماعات"، لفظ ابن المنير أهل الشهوات من الاجتماعات، فقد أتى منكرًا، وإن كان لا يحد عليه".
قال، أعني ابن المنير: وقد نص العلماء على هذا، فينبغي أن يؤخذ من حديث الإسراء كما بيناه، "قاله ابن المنير" في المقتفى فيما لخصه المصنف منه فأحسن، وإلا فهو قد أتى بعبارة طويلة استطرد فيها فوائد نفيسة على عادته، وأورد قبل ذك إحضار الخمر واللبن، هل أريد إباحتها معًا أو أحدهما؟، لا بعينه، وعلى كل فمشكل؛ لأنه إن كان المراد إباحتهما معًا، كما لو أحضرت طعامين لضيف، وأبحتهما له، فما معنى اختياره لأحدهما، وتصويت جبريل له، وإن كان في أحدهما لا بعينه، بحيث يكون الآخر ممنوعًا، لزم التخيير بين ممنوع ومباح، وذلك لا يتصور.