كتاب تفسير القرطبي (اسم الجزء: 8)

الْهَمْزَةُ الَّتِي بَعْدَ الْأَلِفِ فَصَارَتْ قَبْلَ الْأَلِفِ ضِئَايًا، ثُمَّ قُلِبَتِ الْيَاءُ هَمْزَةً لِوُقُوعِهَا بَعْدَ أَلِفٍ زَائِدَةٍ. وَكَذَلِكَ إِنْ قَدَّرْتَ أَنَّ الْيَاءَ حِينَ تَأَخَّرَتْ رَجَعَتْ إِلَى الْوَاوِ الَّتِي انْقَلَبَتْ عَنْهَا فَإِنَّهَا تُقْلَبُ هَمْزَةً أَيْضًا فَوَزْنُهُ فِلَاعٌ مَقْلُوبٌ مِنْ فِعَالٍ. وَيُقَالُ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ تضيء وجوههما لأهل السموات السَّبْعِ وَظُهُورُهُمَا لِأَهْلِ الْأَرَضِينَ السَّبْعِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ) أَيْ ذَا مَنَازِلَ، أَوْ قَدَّرَ لَهُ مَنَازِلَ. ثُمَّ قِيلَ: الْمَعْنَى وَقَدَّرَهُمَا، فَوَحَّدَ إِيجَازًا وَاخْتِصَارًا، كَمَا قَالَ:" وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها" «1». وَكَمَا قَالَ:
نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وَأَنْتَ بِمَا ... عِنْدَكَ رَاضٍ وَالرَّأْيُ مُخْتَلِفُ
وَقِيلَ: إِنَّ الْإِخْبَارَ عَنِ الْقَمَرِ وَحْدَهُ، إِذْ بِهِ تُحْصَى الشُّهُورُ الَّتِي عَلَيْهَا الْعَمَلُ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَنَحْوِهَا، كَمَا تَقَدَّمَ فِي" الْبَقَرَةِ" «2». وفي سورة يس:" وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ" «3» [يس: 39] أَيْ عَلَى عَدَدِ الشَّهْرِ، وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ مَنْزِلًا. وَيَوْمَانِ لِلنُّقْصَانِ وَالْمِحَاقِ «4»، وَهُنَاكَ يَأْتِي بَيَانُهُ. قوله تعالى: (لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَوْ جَعَلَ شَمْسَيْنِ، شَمْسًا بِالنَّهَارِ وَشَمْسًا بِاللَّيْلِ لَيْسَ فِيهِمَا ظُلْمَةٌ وَلَا لَيْلٌ، لَمْ يُعْلَمْ عَدَدُ السِّنِينَ وَحِسَابُ الشُّهُورِ. وَوَاحِدُ" السِّنِينَ" سَنَةٌ، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ: سَنَوَاتٌ فِي الْجَمْعِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: سَنَهَاتٌ. وَالتَّصْغِيرُ سُنَيَّةٌ وَسُنَيْهَةٌ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَا خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ) أَيْ مَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِخَلْقِ ذَلِكَ إِلَّا الْحِكْمَةَ وَالصَّوَابَ، وَإِظْهَارًا لِصَنْعَتِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَدَلَالَةً عَلَى قُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ، وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ، فَهَذَا هُوَ الْحَقُّ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) تَفْصِيلُ الْآيَاتِ تَبْيِينُهَا لِيُسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى قُدْرَتِهِ تَعَالَى، لِاخْتِصَاصِ اللَّيْلِ بِظَلَامِهِ وَالنَّهَارِ بِضِيَائِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ لهما ولا إيجاب،
__________
(1). راجع ج 18 ص 901.
(2). راجع ج 2 ص 341 وما بعد ها.
(3). راجع ج 15 ص 29.
(4). المحاق (مثلثة): آخر الشهر إذا امحق فلم ير.

الصفحة 310