كتاب تفسير القرطبي (اسم الجزء: 8)

[سورة يونس (10): آية 10]
دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (10)
قوله تعالى: (دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ) دعوا هم: ادعاؤهم، وَالدَّعْوَى مَصْدَرُ دَعَا يَدْعُو، كَالشَّكْوَى مَصْدَرُ شَكَا يشكو، أي دعاو هم فِي الْجَنَّةِ أَنْ يَقُولُوا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَقِيلَ: إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَسْأَلُوا شَيْئًا أَخْرَجُوا السُّؤَالَ بِلَفْظِ التَّسْبِيحِ وَيَخْتِمُونَ بِالْحَمْدِ. وَقِيلَ: نِدَاؤُهُمُ الْخَدَمَ لِيَأْتُوهُمْ بِمَا شَاءُوا ثُمَّ سَبَّحُوا. وَقِيلَ: إِنَّ الدُّعَاءَ هُنَا بِمَعْنَى التَّمَنِّي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى" وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ
" «1» [فصلت: 31] أَيْ مَا تَتَمَنَّوْنَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) أَيْ تَحِيَّةُ اللَّهِ لَهُمْ أَوْ تَحِيَّةُ الْمَلَكِ أَوْ تَحِيَّةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ: سَلَامٌ. وَقَدْ مَضَى فِي" النِّسَاءِ" مَعْنَى التَّحِيَّةِ مُسْتَوْفًى «2». وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) فِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قِيلَ: إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ إِذَا مَرَّ بِهِمُ الطَّيْرُ وَاشْتَهَوْهُ قَالُوا: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ، فَيَأْتِيهِمُ الْمَلَكُ بِمَا اشْتَهَوْا، فَإِذَا أَكَلُوا حَمِدُوا اللَّهَ فَسُؤَالُهُمْ بِلَفْظِ التَّسْبِيحِ وَالْخَتْمُ بِلَفْظِ الْحَمْدِ. وَلَمْ يَحْكِ أَبُو عُبَيْدٍ إِلَّا تَخْفِيفَ" أَنْ" وَرَفْعِ مَا بَعْدَهَا، قَالَ: وَإِنَّمَا نَرَاهُمُ اخْتَارُوا هَذَا وَفَرَّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:" أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ" و" أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ" لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا الْحِكَايَةَ حِينَ يُقَالُ الْحَمْدُ لِلَّهِ. قَالَ النَّحَّاسُ: مَذْهَبُ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ أَنَّ" أَنْ" هَذِهِ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ: وَيَجُوزُ" أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ" يُعْمِلُهَا خَفِيفَةً عَمَلَهَا ثَقِيلَةً، وَالرَّفْعُ أَقْيَسُ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَحَكَى أَبُو حَاتِمٍ أَنَّ بِلَالَ بْنَ أَبِي بُرْدَةَ قَرَأَ" وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ". قُلْتُ: وَهِيَ قِرَاءَةُ ابْنِ مُحَيْصِنٍ، حَكَاهَا الْغَزْنَوِيُّ لأنه يحكي عنه.
__________
(1). راجع ج 15 ص 43.
(2). راجع ج 5 ص 297.

الصفحة 313