كتاب تفسير القرطبي (اسم الجزء: 8)

(عِشْرُونَ أَلْفًا). وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الزِّيَادَةَ أَنْ تُضَاعَفَ الْحَسَنَةُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى أَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ [بْنِ أَبِي طَالِبٍ «1»] رَضِيَ اللَّهُ عنه: الزِّيَادَةُ غُرْفَةٌ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ لَهَا أَرْبَعَةُ آلَافِ بَابٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْحُسْنَى حَسَنَةٌ مِثْلُ حَسَنَةٍ، وَالزِّيَادَةُ مَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: الْحُسْنَى الْجَنَّةُ، وَالزِّيَادَةُ مَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا مِنْ فَضْلِهِ لَا يُحَاسِبُهُمْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَابِطٍ: الْحُسْنَى الْبُشْرَى، وَالزِّيَادَةُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ" «2» [القيامة: 23 - 22]. وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ شَجَرَةَ: الزِّيَادَةُ أَنْ تَمُرَّ السَّحَابَةُ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ فَتُمْطِرُهُمْ مِنْ كُلِّ النَّوَادِرِ الَّتِي لَمْ يَرَوْهَا، وَتَقُولُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، مَا تُرِيدُونَ أَنْ أُمْطِرَكُمْ؟ فَلَا يُرِيدُونَ شَيْئًا إِلَّا أَمْطَرَتْهُمْ إِيَّاهُ. وَقِيلَ: الزِّيَادَةُ أَنَّهُ مَا يَمُرُّ عَلَيْهِمْ مِقْدَارُ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا إِلَّا حَتَّى يُطِيفَ بِمَنْزِلِ أَحَدِهِمْ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، مَعَ كُلِّ مَلَكٍ هَدَايَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لَيْسَتْ مَعَ صَاحِبِهِ، مَا رَأَوْا مِثْلَ تِلْكَ الْهَدَايَا قَطُّ، فَسُبْحَانَ [الْوَاسِعِ الْعَلِيمِ الْغَنِيِّ الْحَمِيدِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ الْعَزِيزِ الْقَدِيرِ الْبَرِّ الرَّحِيمِ الْمُدَبِّرِ الْحَكِيمِ اللَّطِيفِ الْكَرِيمِ الَّذِي] «3» لَا تَتَنَاهَى مَقْدُورَاتُهُ. وَقِيلَ:" أَحْسَنُوا" أَيْ مُعَامَلَةَ النَّاسِ،" الْحُسْنى ": شَفَاعَتُهُمْ، وَالزِّيَادَةُ: إِذْنُ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا وَقَبُولُهُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلا يَرْهَقُ) قِيلَ: مَعْنَاهُ يَلْحَقُ، وَمِنْهُ قِيلَ: غُلَامٌ مُرَاهِقٌ إِذَا لَحِقَ بِالرِّجَالِ. وَقِيلَ: يَعْلُو. وَقِيلَ: يَغْشَى، وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ." قَتَرٌ" غُبَارٌ." وَلا ذِلَّةٌ" أَيْ مَذَلَّةٌ، كَمَا يَلْحَقُ أَهْلَ النَّارِ، أَيْ لَا يَلْحَقُهُمْ غُبَارٌ فِي مَحْشَرِهِمْ إِلَى اللَّهِ وَلَا تَغْشَاهُمْ ذِلَّةٌ. وَأَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدَةَ لِلْفَرَزْدَقِ:
مُتَوَّجٌ بِرِدَاءِ الْمُلْكِ يَتْبَعُهُ ... مَوْجٌ تَرَى فَوْقَهُ الرَّايَاتِ وَالْقَتَرَا
وَقَرَأَ الْحَسَنُ" قَتْرٌ" بِإِسْكَانِ التَّاءِ. وَالْقَتَرُ وَالْقَتَرَةُ وَالْقَتْرَةُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، قَالَهُ النَّحَّاسُ. وَوَاحِدُ الْقَتَرِ قَتَرَةٌ، وَمِنْهُ قوله تعالى:" تَرْهَقُها قَتَرَةٌ" «4» [عبس: 41] أَيْ تَعْلُوهَا غَبَرَةٌ. وَقِيلَ: قَتَرٌ كَآبَةٌ وَكُسُوفٌ. ابْنُ عَبَّاسٍ: الْقَتَرُ سَوَادُ الْوُجُوهِ. ابْنُ بَحْرٍ: دُخَانُ النَّارِ، وَمِنْهُ قُتَارُ الْقِدْرِ. وَقَالَ ابْنُ أبي لَيْلَى: هُوَ بُعْدُ نَظَرِهِمْ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وجل.
__________
(1). من ع وهـ وى.
(2). راجع ج 19 ص 111، وص 221 فما بعد.
(3). من ع وهـ وى.
(4). راجع ج 19 ص 111، وص 221 فما بعد.

الصفحة 331