كتاب تفسير القرطبي (اسم الجزء: 8)

الثَّانِيَةُ- قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَقَالُونُ فِي رِوَايَةٍ بَيْنَ الْفَتْحِ وَالْإِسْكَانِ، عَلَى مَذْهَبِهِ فِي الْإِخْفَاءِ وَالِاخْتِلَاسِ. الثَّالِثَةُ- قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَابْنُ كَثِيرٍ وَوَرْشٌ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ" يَهَدِّي" بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْهَاءِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ، قَالَ النَّحَّاسُ: هَذِهِ الْقِرَاءَةُ بَيِّنَةٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَالْأَصْلُ فِيهَا يَهْتَدِي أُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الدَّالِ وَقُلِبَتْ حَرَكَتُهَا عَلَى الْهَاءِ. الرَّابِعَةُ- قَرَأَ حَفْصٌ وَيَعْقُوبُ وَالْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ مِثْلَ قِرَاءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ، إِلَّا أَنَّهُمْ كَسَرُوا الْهَاءَ، قَالُوا: لِأَنَّ الْجَزْمَ إِذَا اضْطُرَّ إِلَى حَرَكَتِهِ حُرِّكَ إِلَى الْكَسْرِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هِيَ لُغَةُ سُفْلِيِّ مُضَرَ. الْخَامِسَةُ- قَرَأَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ" يِهِدِّي" بِكَسْرِ الْيَاءِ وَالْهَاءِ وتشديد الدال، كل ذلك لاتباع الْكَسْرَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَقَرَةِ فِي" يَخْطَفُ" «1» [البقرة: 20] وَقِيلَ: هِيَ لُغَةُ مَنْ قَرَأَ" نَسْتَعِينُ «2» "، وَ" لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ" وَنَحْوَهُ. وَسِيبَوَيْهِ لَا يُجِيزُ" يِهِدِّي" وَيُجِيزُ" تِهِدِّي" وَ" نِهِدِّي" وَ" إِهِدِّي" قَالَ: لِأَنَّ الْكَسْرَةَ فِي الْيَاءِ تُثَقَّلُ. السَّادِسَةُ- قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ وَيَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ وَالْأَعْمَشُ" يَهْدِي" بِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ وَتَخْفِيفِ الدَّالِ، مِنْ هَدَى يَهْدِي. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ لَهَا وَجْهَانِ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةٌ، وَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ الْكِسَائِيَّ وَالْفَرَّاءَ قَالَا:" يَهْدِي" بِمَعْنَى يَهْتَدِي. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: لَا يُعْرَفُ هَذَا، وَلَكِنَّ التَّقْدِيرَ أَمَّنْ لَا يَهْدِي غَيْرَهُ، تَمَّ الْكَلَامُ، ثُمَّ قَالَ:" إِلَّا أَنْ يُهْدى " اسْتَأْنَفَ مِنَ الْأَوَّلِ، أَيْ لَكِنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يُهْدَى، فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، كَمَا تَقُولُ: فُلَانٌ لَا يُسْمِعُ غَيْرَهُ إِلَّا أَنْ يُسْمَعَ، أَيْ لَكِنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يُسْمَعَ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ:" فَما لَكُمْ" كَلَامٌ تَامٌّ، وَالْمَعْنَى: فَأَيُّ شي لَكُمْ فِي عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ. ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ:" كَيْفَ تَحْكُمُونَ" أَيْ لِأَنْفُسِكُمْ وَتَقْضُونَ بِهَذَا الْبَاطِلِ الصُّرَاحِ، تَعْبُدُونَ آلِهَةً لَا تُغْنِي عَنْ أَنْفُسِهَا شَيْئًا إِلَّا أَنْ يُفْعَلَ بِهَا، وَاللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ فَتَتْرُكُونَ عِبَادَتَهُ، فَمَوْضِعُ" كَيْفَ" نَصْبٌ ب"- تَحْكُمُونَ".
__________
(1). راجع ج 1 ص 221.
(2). راجع ج 1 ص 641.

الصفحة 342