كتاب تفسير القرطبي (اسم الجزء: 8)

مُصَدِّقًا لَهَا فِي تِلْكَ الْبِشَارَةِ، وَفِي الدُّعَاءِ إِلَى التَّوْحِيدِ وَالْإِيمَانِ بِالْقِيَامَةِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى وَلَكِنْ تَصْدِيقُ النَّبِيِّ بَيْنَ يَدَيِ الْقُرْآنِ وَهُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّهُمْ شَاهَدُوهُ قَبْلَ أَنْ سَمِعُوا مِنْهُ الْقُرْآنَ. (وَتَفْصِيلَ) بِالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي تَصْدِيقَ. وَالتَّفْصِيلُ التَّبْيِينُ، أَيْ يُبَيِّنُ مَا فِي كُتُبِ اللَّهِ الْمُتَقَدِّمَةِ. وَالْكِتَابُ اسْمُ الْجِنْسِ. وَقِيلَ: أَرَادَ بِتَفْصِيلِ الْكِتَابِ مَا بُيِّنَ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْأَحْكَامِ. (لَا رَيْبَ فِيهِ) الْهَاءُ عَائِدَةٌ لِلْقُرْآنِ، أَيْ لَا شَكَّ فِيهِ أَيْ فِي نُزُولِهِ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى.

[سورة يونس (10): آية 38]
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (38)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) أَمْ هَاهُنَا فِي مَوْضِعِ أَلِفِ الِاسْتِفْهَامِ لِأَنَّهَا اتَّصَلَتْ بِمَا قَبْلَهَا. وَقِيلَ: هِيَ أَمِ الْمُنْقَطِعَةُ الَّتِي تُقَدَّرُ بِمَعْنَى بَلْ وَالْهَمْزَةُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" الم تَنْزِيلُ الْكِتابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ «1». أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ" [السجدة: 3 - 2 - 1] أَيْ بَلْ أَيَقُولُونَ افْتَرَاهُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَمْ بِمَعْنَى الْوَاوِ، مَجَازُهُ: وَيَقُولُونَ افْتَرَاهُ. وَقِيلَ: الْمِيمُ صِلَةٌ، وَالتَّقْدِيرُ: أَيَقُولُونَ افْتَرَاهُ، أَيِ اخْتَلَقَ مُحَمَّدٌ الْقُرْآنَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، فَهُوَ اسْتِفْهَامٌ مَعْنَاهُ التَّقْرِيعُ. (قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) وَمَعْنَى الْكَلَامِ الِاحْتِجَاجُ، فَإِنَّ الْآيَةَ الْأُولَى دَلَّتْ عَلَى كَوْنِ الْقُرْآنِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، لِأَنَّهُ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكُتُبِ وَمُوَافِقٌ لَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَلَّمَ «2» مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ أَحَدٍ. وَهَذِهِ الْآيَةُ إِلْزَامٌ بِأَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانَ مُفْتَرًى. وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي إِعْجَازِ الْقُرْآنِ، وَأَنَّهُ مُعْجِزٌ فِي مقدمة الكتاب «3»، والحمد لله.

[سورة يونس (10): آية 39]
بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39)
__________
(1). راجع ج 14 ص
(2). كذا في ع وهـ وك وا.
(3). راجع ج 1 ص 69.

الصفحة 344