كتاب تفسير القرطبي (اسم الجزء: 8)

بأس شديد" «1» [الحديد: 25]. فَيَجُوزُ أَنْ يُعَبَّرَ عَنِ الْخَلْقِ بِالْإِنْزَالِ، لِأَنَّ الَّذِي فِي الْأَرْضِ مِنَ الرِّزْقِ إِنَّمَا هُوَ بِمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنَ الْمَطَرِ. (فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا) قَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ مَا حَكَمُوا بِهِ مِنْ تَحْرِيمِ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ «2». وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:" وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً" «3» [الانعام: 136]. (قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ) أَيْ فِي التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ. (أَمْ عَلَى اللَّهِ) " أَمْ" بِمَعْنَى بَلْ. (تَفْتَرُونَ) هُوَ قَوْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنَا بِهَا. الثَّانِيَةُ: اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَنْ نَفَى الْقِيَاسَ، وَهَذَا بَعِيدٌ، فَإِنَّ الْقِيَاسَ دَلِيلُ اللَّهِ تَعَالَى، فَيَكُونَ التَّحْلِيلُ وَالتَّحْرِيمُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ وُجُودِ دَلَالَةٍ نَصَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْحُكْمِ، فَإِنْ خَالَفَ فِي كَوْنِ الْقِيَاسِ دَلِيلًا لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ خُرُوجٌ عَنْ هَذَا الْغَرَضِ وَرُجُوعٌ إلى غيره.

[سورة يونس (10): آية 60]
وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (60)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ) "" يَوْمَ" مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِ، أَوْ بِالظَّنِّ، نَحْوَ مَا ظَنُّكَ زَيْدًا، وَالْمَعْنَى: أَيَحْسَبُونَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُؤَاخِذُهُمْ بِهِ. (إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) أَيْ فِي التَّأْخِيرِ وَالْإِمْهَالِ. وَقِيلَ: أَرَادَ أَهْلَ مَكَّةَ حِينَ جَعَلَهُمْ فِي حَرَمٍ آمِنٍ. (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ) يَعْنِي الْكُفَّارَ. (لَا يَشْكُرُونَ) اللَّهَ عَلَى نِعَمِهِ وَلَا فِي تَأْخِيرِ الْعَذَابِ عَنْهُمْ. وَقِيلَ:" لَا يَشْكُرُونَ" لَا يوحدون.

[سورة يونس (10): آية 61]
وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (61)
__________
(1). راجع ج 17 ص 260.
(2). راجع ج 6 ص 335.
(3). راجع ج 7 ص 89.

الصفحة 355