كتاب تفسير القرطبي (اسم الجزء: 8)

أَيْ لِخَلَاصِ نَفْسِهِ. (وَمَنْ ضَلَّ) أَيْ تَرَكَ الرَّسُولَ وَالْقُرْآنَ وَاتَّبَعَ الْأَصْنَامَ وَالْأَوْثَانَ. (فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) أَيْ وَبَالُ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ. (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) أَيْ بِحَفِيظٍ أَحْفَظُ أَعْمَالَكُمْ إِنَّمَا أَنَا رَسُولٌ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَسَخَتْهَا آية السيف.

[سورة يونس (10): آية 109]
وَاتَّبِعْ مَا يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (109)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَاتَّبِعْ مَا يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ) قِيلَ: نُسِخَ بِآيَةِ الْقِتَالِ: وَقِيلَ: لَيْسَ مَنْسُوخًا، وَمَعْنَاهُ اصْبِرْ عَلَى الطَّاعَةِ وَعَنِ الْمَعْصِيَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا نَزَلَتْ جَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَنْصَارَ وَلَمْ يَجْمَعْ مَعَهُمْ غَيْرَهُمْ فَقَالَ: (إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ بَعْدِي أَثَرَةً «1» فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ). وَعَنْ أَنَسٍ بِمِثْلِ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ أَنَسٌ: فَلَمْ يَصْبِرُوا فَأَمَرَهُمْ بِالصَّبْرِ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَّانَ:
أَلَا أَبْلِغْ مُعَاوِيَةَ بْنَ حَرْبٍ ... أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَثَا «2» كَلَامِي
بِأَنَّا صَابِرُونَ وَمُنْظِرُوكُمْ ... إِلَى يَوْمِ التَّغَابُنِ وَالْخِصَامِ
(حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ، لِأَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَحْكُمُ إِلَّا بِالْحَقِّ.
تَمَّتْ سُورَةُ يونس، والحمد لله وحده
محققه أبو إسحاق إبراهيم أطفيش
تم الجزء الثامن مِنْ تَفْسِيرِ الْقُرْطُبِيِّ يَتْلُوهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى الجزء التاسع وأوله: (سورة هود)
__________
(1). أي يستأثر عليكم فيفضل غيركم في نصيبه من الفيء.
(2). النثا في الكلام يطلق على القبيح والحسن.

الصفحة 389