كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 8)

عند الزمخشري لَيْست بمعنى «خَلَقَ» فسَّرها هُنا بمعنى «أحدث» و «أنشأ» .
وكذا الراغب جعلها بمعنى «أوْجَدَ» .
ثم إنَّ أبَا حيَّان اعْتَرَضَ عليه هنا لمَّا اسْتَطْرَدَ، وذكر أنها تكون بمعنى صَيَّر ومثل بقوله: {وَجَعَلُواْ الملائكة الذين هُمْ عِبَادُ الرحمن إِنَاثاً} [الزخرف: 19] . فقال وما ذكر من أن جعل بمعنى صَيَّر في قوله {وَجَعَلُواْ الملائكة} [الزخرف: 19] لا يصحُّ؛ لأنهم لم يُصَيِّروهم إناثاً وإنما بعضُ النحويين أنها هنا بمعنى «سمَّى» .
قال شهابُ الدين: ليس المُرَادُ بالتصيير بالفعل، بل المُراد التصيير بالقول، وقد نصَّ الزمخشري على ذلك، على ما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى، وقد ظهر الفرقُ بين تخصيص السَّمواتِ والأرض بالخَلْقِ، والظُّلُمَاتِ والنور بالجَعْل بما ذكره الزمخشري.
فصل
قال أبو العباس المقري: ورد لفظ الجَعْل في القرآن على خمسة أوجه:
الأول: بمعنى «خلق» قال تعالى: {وَجَعَلُواْ الملائكة} ، وقوله {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا} [فصلت: 10] ، وقوله: {جَعَلَ الليل والنهار} [الفرقان: 62] .
والثاني: بمعنى «بعث» قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرا} [الفرقان: 62] .
والثالث: بمعنى «قدره» قال تعالى {وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً} [الزمر: 8] وقوله تعالى: {وَجَعَلُواْ الملائكة الذين هُمْ عِبَادُ الرحمن إِنَاثاَّ} [الزخرف: 19] وقوله تعالى: {قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بالذي خَلَقَ الأرض فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً}
[فصلت: 9] أي تقولون.
الرابع: بمعنى «بَيّن» قال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ} [الزخرف: 3] أي: بَيَّنَّاه بحَلالِه وحَرَامِهِ.
الخامس: بمعنى «صَيَّرَ» قال تعالى: {وَجَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّة} [الإسراء: 46] أي: صيرنا، وقوله {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الحاج} [التوبة: 19] ، وقوله {وَجَعَلَ بَيْنَ البحرين} [النمل: 61] ، وقوله: {إِنَّا جَعَلْنَا في أَعْناقِهِم} [يس: 8] .
فإن قيل: لِم وَحًّد النُّور، وجمعَ الظُّلمَاتِ. فالجواب من وجوه:

الصفحة 10