كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 8)

وإنَّما ذكرت هُنَا هَذِه العُجَالة تَنْبيهاً على خَطَإٍ من رَدَّ قراءته ونَسَبَه إلى لَحْنٍ، وأو اتِّبَاع مجرَّد المَرْسُوم فقط.
قال أبو جَعْفَر النحاس: وهذا يَعْني أنّ الفَصْل بين المُضَافِ والمضافِ إليه بالظَّرْفِ أو غيره لا يجُوز في شِعْرٍ ولا غيره، وهذا خطأ من أبي جَعْفَر؛ لما سنذكره من لسَان العرب.
وقال أبو علي الفارسيّ: هذا قَبيحٌ قليل في الاسْتِعْمَال، ولو عَدَل عَنْهَا - يعني ابن عامر -، كان أولى؛ لأنهم لم يَفْصِلُوا بين المُضَافِ والمُضافِ إليه بالظَّرف في الكلام مع اتِّساعهم في الظَّرُوفِ، وإنَّما أجَازُوه في الشِّعْر «قال:» وقد فَصَلُوا به - أي بالظَّرف - في كَثِير من المواضع، نحو قوله تعالى {إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ} [المائدة: 22] ؛ وقال الشاعر في ذلك: [المتقارب]
2317 - عَلَى أنَّنِي بَعْدَمَا قَدْ مَضَى ... ثلاثُونَ - لِلْهَجْرِ - حَوْلاً كَمِيلاً
وقول الآخر في هذا البيت: [الطويل]
2318 - فَلاَ تَلْحَنِي فيها فإنَّ - بِخُبِّهَا - ... أخَاكَ مُصَابُ القَلْبِ جَمٌّ بلابِلُهْ
ففصل بين «إنَّ» واسْمَها بما يتعلَّق بخبَرِهَا، ولو كان بِغَيْر الظرف، لم يَجُزْ، ألا تَرَى أنَّك لو قُلْتَ: «إنَّ زَيْداً عَمْراً ضَارِب» على أن يكون «زَيْداً» منصُوباً ب «ضَارِب» لم يَجز، فإذا لم يُجِيزُوا الفَصْل بين المُضَافِ والمُضافِ إلَيْهِ في الكلامِ بالظرفِ مع اتِّساعهم فيه في الكلام، وإنما يجُوزُ في الشَّعْر؛ كقوله: [الوافر]
2319 - كَمَا خُطَّ الكِتَاب بَكَفِّ - يَوْماً - ... يَهْودِيِّ يُقَاربُ أوْ يُزيلُ
فأن لا يجوز بالمفعُول الذي لم يُتَّسعْ فيه بالفَصْلِ أجْدَر، ووجه ذلك على ضَعْفَه وقلَّة الاسْتِعَمال: أنه قد جَاءَ في الشِّعْر على حدِّ ما قَرَأهُ قال الطَّرْمَاح: [الطويل]
2320 - يَطُفْنَ بِحُوزِيِّ المَرَاتِعِ لَم تَرُعْ ... بِوَاديهِ مِنْ قَرْعِ - القِسيِّ - الكَنَائِنِ
وأنشد أبو الحسن: [مجزوء الكامل]
2321 - ... ... ... ... ... .....

الصفحة 445